للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل) (١).

قال الصنعاني في حاشيته على شرح ابن دقيق العيد: (أقول: هذا هو الصواب، وإيجابها هو الجاري على مقتضى الأوامر والنواهي) (٢).

وقال الشوكاني: (إذا عرفت هذا -أي ما ذكر من الأجوبة- لاح لك أن الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب) (٣).

والحق أن القول بالوجوب قوي؛ لقوة مأخذه؛ ولأن سبب الوجوب هو دخول المسجد، فلا معارضة بين هذا وبين ما يدل على أن ما عدا الصلوات الخمس تطوع، لكن إن قيل: بأن تحية المسجد من السنن الموكدة ما كان ذلك بعيدًا، والعلم عند الله تعالى.

[تحية المسجد وقت النهي]

اختلف العلماء في صلاة تحية المسجد وقت النهي، كأن يدخل بعد الفجر أو قبل المغرب، على قولين:

الأول: تصلّى تحية المسجد وقت النهي، وهذا هو الأصح عند الشافعية، ورواية في مذهب الإمام أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحم الله الجميع.

وقد بسط ابن تيمية -رحمه الله- أدلة هذا القول، وأيده بما لا مزيد عليه (٤).

القول الثاني: لا تصلى في وقت النهي، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد، كما في الإنصاف (٥).

وسبب الخلاف: هوة تعارض العمومين؛ عموم أحاديث تحية المسجد وفيه أمر بالصلاة لكل داخل من غير تفصيل، وعموم أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي، كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" (٦)، وهذا عام في كل صلاة كما يفيده النفي بـ (لا) التي لنفي الجنس، فتدخل تحية المسجد في هذا العموم المنفي.

فذهب الأولون إلى تخصيص عموم حديث: (لا صلاة بعد الصبح .. ) إلخ ... بحديث تحية المسجد، فأخرجوها من عموم هذا الحديث، فتصلى في أوقات النهي، وذلك لأن حديث (لا صلاة) قد ثبت تخصيصه بغير تحية المسجد، ومن ذلك: قضاء الفوائت؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من نسي صلاة فيصلّ إذا ذكرها، لا كفارة إلا ذلك: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: ١٤] " (٧).

ومن ذلك -أيضًا-: إعادة الجماعة، لحديث يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- قال: شهدت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف، فإذا هو برجلين في أخرى القوم


(١) إحكام الأحكام (٤/ ٤٦٨).
(٢) حاشية الصنعاني (٤/ ٤٦٨).
(٣) نيل الأوطار (٣/ ٧٩).
(٤) انظر مجموع الفتاوى (٢٣/ ١٧٨ - ١٩٩، ٢١٠ - ٢١٧).
(٥) انظر (٢/ ٢٠٨).
(٦) أخرجه البخاري (٥٦١)، ومسلم (٨٢٧).
(٧) أخرجه البخاري (٥٧٢)، ومسلم (٦٨٤).

<<  <   >  >>