للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي: (الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة) (١).

وقال القاضي: (وفيه حكمة أخرى: وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة) (٢).

قال العراقي: (إن قوله "فلا صلاة" يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة، ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة، بل يقطعها المصلي؛ لإدراك فضيلة التحرم، أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي، يحتمل كلًا من الأمرين) (٣).

واعلم أنه لا فرق في منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة بين الراتبة أو غيرها، كما أنه لا فرق بين ركعتي الفجر أو غيرهما، وما يتوهمه بعض الناس من جواز ركعتي الفجر ولو كان الإمام في المكتوبة؛ بحجة طول القراءة وأنه يتمكن من أدائها قبل الركوع فهذا غير صحيح، وصلاته باطلة؛ لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (٤). وأداء ركعتين والصلاة قد أقيمت ليس عليه أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون مردودًا على صاحبه، وما كان مردودًا على صاحبه فهو فاسد، كيف وقد نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك كما تقدم، فيكون أشد ردًا.

وأما ما ورد من زيادة: (فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح) فهي كما قال ابن القيم: (زيادة كاسمها لا أصل لها).

وقال البيهقي: (هذه الزيادة لا أصل لها)؛ وذلك لأن في إسنادها حجاج بن نصير الفساطيطي، وعباد بن كثير الثقفي: (وهما ضعيفان). وفي التقريب: أن الأول ضعيف، والثاني متروك (٥).

لكن إذا أقيمت الصلاة وهو في تحية المسجد، أو في راتبة، فهل يقطعها؟ ثلاثة أقوال:

الأول: أنه يقطعها؛ لعموم "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". فإن الحديث عام يشمل من شرع في النافلة بعد سماع الإقامة للفريضة، أو كان قد شرع في النافلة وسمع الإقامة بعد ذلك، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن بيان قال: (كان قيس بن أبي حازم يؤمنا فأقام المؤذن للصلاة وقد صلى ركعة، قال: فتركها، ثم تقدم فصلى بنا) (٦).

ولأجل أن يدرك الفريضة من أولها بإدراك تكبيرة الإحرام بعد تكبير الإمام، كما ذكر النووي سابقًا، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إذا كبر فكبروا" (٧) وهذه الجملة تدل على أن تكبير المأموم يقع عقب تكبير الإمام فلا يقارنه ولا يتقدم عليه، بدليل رواية أبي داود: "ولا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد".

القول الثاني: أنه لا يقطعها بل يتمها، واستدل من قال بهذا بعموم قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: ٣٣].


(١) شرح النووي على مسلم (٥/ ٢٣٠).
(٢) شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (٣/ ٤٦).
(٣) انظر: نيل الأوطار (٣/ ٩٧).
(٤) أخرجه مسلم (١٧١٨)، وأخرجه البخاري تعليقًا في البيوع وموصولًا في الصلح. انظر فتح الباري (٤/ ٣٥٥)، وأخرجه أبو داود (٤٦٠٦)، وابن ماجه (١٤).
(٥) انظر أعلام الموقعين (٢/ ٣٥٦)، والسنن الكبرى للبيهقي (٢/ ٤٨٣)، ومجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٦٤).
(٦) المصنف لابن أبي شيبة (٢/ ٧٩).
(٧) أخرجه البخاري (٣٧١)، ومسلم (٤١١)، وهو من حديث أنس -رضي الله عنه- وقد ورد اللفظ في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ورواه أبو داود (٢/ ٣١٤)، من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>