للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه الدلالة: أن قطع النافلة وعدم إتمامها إبطال للمؤدي، والآية تنهي عن إبطال الأعمال مطلقًا، فيدخل ذلك في عمومها، قال الشوكاني في فتح القدير: (والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائنًا ما كان، من غير تخصيص بنوع معين) (١).

وأجابوا عن حديث أبي هريرة -المتقدم- بأن النهي متوجه إلى الشروع في غير تلك المكتوبة. وأما إتمام المشروعة قبل الإقامة فضروري لا اختياري، فلا يدخل في النهي المستفاد من الحديث، عملًا بعموم الآية.

القول الثالث: التفصيل: وهو أنه إذا كان في الركعة الثانية فلا يقطعها بل يتمها خفيفة، وإن كان في الركعة الأولى فإنه يقطعها؛ لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (٢). فمن صلى ركعة قبل الإقامة فقد أدرك ركعة من الصلاة سالمة من المعارض الذي هو الإقامة، فيكون قد أدرك الصلاة بإدراكه الركعة فيتمها خفيفة، ومن كان في الركعة الأولى ولو في السجدة الثانية منها فإنه يقطعها؛ لأنه لم تتمّ له هذه الصلاة، ولم تخلص له حيث لم يدرك منها ركعة قبل النهي عن النافلة (٣).

يقول العلامة المباركفوري في شرح المشكاة: (الراجح عندي: أن يقطع عند الإقامة إن بقيت عليه ركعة، فإن أقل الصلاة ركعة، وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا صلاة بعد الإقامة إلا المكتوبة" فلا يجوز له أن يصلي ركعة بعد الإقامة، وأما إذا أقيمت الصلاة وهو في السجدة أو التشهد فلا بأس لو لم يقطعها؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صلى صلاة، أكما: ركعة بعد الإقامة ... ) (٤).

وأما الآية فيجاب عليها بثلاثة أجوبة:

الأول: أنها عامة والحديث خاص، والخاص يقضي على العام، ولا يخالفه، كما في الأصول، فيكون إبطال النافلة بإقامة الصلاة مخصّصًا من عموم الآية بمقتضى الحديث.

الثاني: أن سياق الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] يدل على -والله أعلم- أن الإبطال إنما يكون بمعصية الله تعالى أو معصية رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأن الآية أمر بطاعة الله وطاعة رسوله ونهي عن المعصية المؤدية إلى إبطال الأعمال.

الثالث: أن قطع النافلة إذا أقيمت الفريضة لا معصية فيه، بل هو عين الطاعة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القائل: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

قال في المحلى: (فإن قيل: قال الله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم}! قلنا: نعم هذا حق وما هو أبطلها، ولو تعمد إبطالها لكان مسيئًا. ولكن الله عز وجل أبطلها عليه، كما تبطل بالحدث، وبمرور ما يبطل الصلاة مروره، ونحو ذلك) (٥).

وعلى القول بأنه يقطعها فإنه لا يحتاج إلى تسليم -على أرجح الأقوال- بل يخرج منها ويلحق


(١) فتح القدير (٥/ ٤١).
(٢) أخرجه البخاري (٥٥٥)، ومسلم (٦٠٧)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) الممتع (٤/ ٢٣٨)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (١٥/ ٩٩).
(٤) المرقاة شرح المشكاة (٢ - ٧١).
(٥) المحلى (٣/ ١١٢).

<<  <   >  >>