للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"من سد فرجة رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتًا في الجنة" (١). وعن عائشة أيضًا -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف" (٢).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أجرًا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها" (٣). فهذه الأحاديث تبين فضيلة تسوية الصفوف وسدّ الفرج، ومدح من يلين بين صاحبه إذا أمره بالاستواء، أو أراد دخولًا في الصف؛ لسد فرجة أو لضيق مكان فلا يمنعه، بل يمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه، فهذا من خيار الناس (٤). وأما كيفية تسوية الصف فقد دلت عليها نصوص كثيرة تقدم بعضها، ومنها -أيضًا- ما ورد عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري"، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، وفى رواية: قال أنس: (لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم كأنه بغل شموس) (٥). والشموس: بضم المعجمة والميم: الفرس يستعصي على راكبه (٦). وقال النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: (فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه) (٧).

وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر" (٨). ومن مجموع النصوص يتضح أن تسوية الصف تتحقق بما يلي:

إتمام الصف الأول فالأول، وسدّ الفرج بالتراص.

استقامة الصف وتعديله بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والركب والأكعب، بحيث لا يتقدم عنق على عنق، ولا منكب على منكب ولا صدر على صدر.

ألا يوسع المصلي بين قدميه؛ لأن ذلك يمنع التصاق منكب صاحبه بمنكبه.

التقارب فيما بين الصفوف، وفيما بينها وبين الإمام؛ فإن هذا من تسوية الصفوف (٩).

وليس من تسوية الصف ما يفعله بعض الناس من ملاحقة من على يمينه ومن على يساره؛ ليلصق كعبه بكعب جاره، يفعل ذلك في القيام والركوع وبعد الرفع من الركوع. وهذا الفعل لا أصل له في تسوية الصفوف، وفيه أخطاء عديدة:


(١) رواه الطبراني في الأوسط (٥٧٩٣)، وانظر صحيح الترغيب (٥٠٢).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٣١٦ الفتح الرباني)، وابن ماجه (٩٩٧)، وغيرهما، وإسناده صحيح.
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (٦/ ١٠٣، ١١٥، ١٤١)، وروى الشطر الأول منه البزار (٣٥١ زوائده)، وإسناده حسن؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو سيىء الحفظ، ويشهد له حديث ابن عباس الذي عند أبي داود (٦٧٢)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (٥/ ٥٢)، وابن خزيمة (١٥٦٦).
(٤) انظر معالم السنن للخطابي (١/ ٣٣٤).
(٥) أخرجه البخاري (٦٩٢)، والرواية الثانية لأبي يعلى في مسنده (٤/ ٣٠)، وسعيد بن منصور والإسماعيلي كما في فتح الباري (٢/ ٢١١). وسندها صحيح على شرط الشيخين كما في السلسلة الصحيحة (٣١).
(٦) المصباح المنير ص (٣٢٢).
(٧) أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (٢/ ٢١١ الفتح). انظر تغليق التعليق (٢/ ٣٠٢).
(٨) أخرجه أبو داود (٦٧١)، والنسائي (٢/ ٩٣)، وإسناده صحيح.
(٩) انظر: الشرح الممتع (٣/ ١٣).

<<  <   >  >>