للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الركوع، وهو قدر ما يمس وسط الخلقة ركبتيه بيديه، ولو لم يطمئن، قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعًا، فكبر ثم ركع فرفع الإمام؛ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك. اهـ (١). ثم يطمئن ويتابع إمامه، وإذا أدركه حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة، وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي، وبه قال الشافعي ومالك وأصحاب الرأي، وهو المنصوص عن أحمد، قال أبو داود: قلت لأحمد: أدرك الإمام راكعًا؟ قال: يجزيك تكبيرة (٢). اهـ. وذلك لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب، ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد، ونية الركوع لا تنافي نية الافتتاح، فأجزأ الركن -وهي تكبيرة الإحرام- عن الواجب -وهي تكبيرة الركوع- كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع إذا جعله آخر شيء (٣). فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأولى للإحرام، والثانية للركوع فهذا أولى، قال أبو داود: قلت لأحمد: يكبر مرتين أحبّ إليك؟ قال: فإن كبر تكبيرتين فليس فيه اختلاف (٤). اهـ. وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائمًا، فإن أتى بها حال انحنائه للركوع لم يصح (٥). وإذا ركع مع الإمام أجزأته الركعة ولو لم يقرأ الفاتحة، وهذا قول الجمهور، وهو الراجح -إن شاء الله- لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (٦) فدل على أن الداخل مع الإمام الذي لم يتمكن من قراءة الفاتحة قد أدرك الركعة بمجرد إدراكه له راكعًا، قال ابن خزيمة: (باب إدراك المأموم الإمام ساجدًا، والأمر بالاقتداء به في السجود، وأنه لا يعتد به؛ إذ المدرك للسجدة إنما يكون بإدراك الركوع قبلها). ثم ساق الحديث (٧).

وكذلك فإن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر الداخل بأن يصنع كما يصنع الإمام، ومعلوم أنه لا يحصل الامتثال إلا إذا ركع مع إمامه، فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه، فخالف الأمر الذي وجب عليه امتثاله (٨).

وكذلك يؤيده حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو راكع، فركع معه قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "زادك الله حرصًا ولا تعد" (٩).

ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئًا لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها، ولم ينقل عنه ذلك وقت الحاجة، فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة (١٠).

وأما أدلة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فهي عامة تشمل المسبوق وغير المسبوق، وحديث أبي


(١) مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص ٣٥)، وانظر حاشية الروض لابن قاسم (٢/ ٢٧٥)، وشرح المهذب (٤/ ٢١٥).
(٢) مسائل الإمام أحمد (ص ٣٥)، والمغني (٢/ ١٨٢).
(٣) المغني (٢/ ١٨٣)، وانظر: القواعد لابن رجب "القاعدة الثامنة عشرة".
(٤) مسائل الإمام أحمد (ص ٣٥).
(٥) المغنى (٢/ ١٣٠).
(٦) تقدم تخريجه في الحكم السادس.
(٧) صحيح ابن خزيمة (٣/ ٥٧).
(٨) من كلام الشوكاني -رحمه الله- في رسالة له أوردها صاحب عون المعبود (٣/ ١٥٧).
(٩) تقدم تخريجه قريبًا.
(١٠) انظر الصحيحة (٢٣٠).

<<  <   >  >>