للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاذا أردت أن تتحقق لك صفة الذاكر، فتذكر بقلبك (١) (أي: بعقلك) وأنت وحدك، وأنت في الملأ، وأنت في السوق، وأنت في الطريق. وتذكر في كل وقت، وعلى كل حال، ان الله يراك، فلا تعمل الا ما يرضيه، فإن أديت واجبا فاذكر انك تؤديه امتثالا لأمره، وان تركت محرما فاتباعا لنهيه، وان عملت مباحا فاقصد به وجها تستحق به الثواب، وان عرض لك طريقان، فاختر منهما ما يدنيك من الجنة ويباعدك عن النار. وان نسيت فاذنبت ذنبا، ثم تذكرت فتب منه، واطلب العفو عنه.

{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.

واذكر بلسانك، فان أفضل الذكر ذكر اللسان مع حضور القلب، فان كان الفكر غائبا لا يعي ما يقول اللسان، كان ذكره كلاما بال معنى، كذكر بياع الكعك في الشام ينادي: (الله كريم) لا يقصد ذكر الله، ولكن يبيع الكعك، وذكر بياع الخس ينادي: (الله دايم). وربما كان ذكر اللسان معصية، كمن يسمّي الله على شرب الخمر، ومن يذكر الله في أغاني الفسوق التي تغنيها المغنيات، فان قصد بذلك الهزء، او دلت عليه دلالة ظاهرة، كان ذكره هذا كفراً. وأفضل الذكر تلاوة القرآن، الا في المواضع التي عيّن لها الشارع ذكرا خاصا، كالتسبيح في الركوع والسجود مثلا. والذكر المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما ما يسمى في أيامنا بحفلات الذكر، وكان يعرف عند علمائنا بالرقص لما فيه من القيام والركوع، والانحناء والاستواء، بحركات موزونة، ونغمات معروفة، ولا ينطق فيه بتهليل ولا تحميد، بل بأصوات مبهمة مثل: (آه) و (أح)، ففي حاشية ابن عابدين (٢) (وهي عمدة المذهب الحنفي) أنه


(١) وليس المراد القلب المادي الذي يضخ الدم لأنحاء الجسم، بل المراد مكان الفكر والمشاعر من الانسان.
(٢) الجزء الثالث - صفحة (٣٠٧) من الطبعة الاميرية.

<<  <   >  >>