للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أنه لم يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا فإنها زينة المتقين، عليهم منها لِباس يُعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم في وجوههم من أثر السجود (١)، أولئك أوليائي حقاً، فإذا لَقيتَهم فاخفض لهم جناحك، وذلّل لهم قلبك ولسانك.

واعلم أن من أهان لي وَلياً أو أخافَه فقد بارزني بالمحاربة، وبدأني، وعَرَّض بنفسه ودعاني إليها، فأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي .. أيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟! .. أوَ يظُن الذي يُغازيني أن يُعجزني؟! .. أوَ يظُن الذي يبارزني أن يسبقني أوْ يفوتني؟!؛ وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكِلُ نصرتهم إلى غيري ... ) إلى آخره (٢).


(١) للفائدة فإن بعض الناس قد يظن أن البقعة السوداء التي تظهر على الجبهة هي السيماء المقصودة هنا وفي آية سورة الفتح، وقد يغتر بعض الناس بهذا حيث يظهر على جبهات بعض الضُّلال كالروافض وغيرهم وإنما المقصود بقوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} " سورة الفتح، من الآية: ٢٩ " هو السمت الحسن – كما قال ابن عباس -، وساق ابن أبي حاتم بسنده عن منصور عن مجاهد أنه قال عن ذلك: هو الخشوع، قال منصور: فقلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال: ربما كان بين عيني مَن هو أقسى قلباً من فرعون!. أنظر تفسير ابن كثير ٤/ ٢٠٥، وجاء عند الطبراني في المعجم الكبير برقم (٦٦٨٥) عن الجعيد بن عبد الرحمن قال: كنت عند السائب بن يزيد إذ جاءه الزبير بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وفي وجهه أثر السجود، فلما رآه قال: من هذا؟، قيل: الزبير، قال: لقد أفسد هذا وجهه!، أمَا واللهِ ما هي السيماء التي سماها الله، ولقد صليتُ على وجهي ثمانين سنة ما أثر السجود بين عيني)؛ ولذلك فإنه ليس بالضرورة أن يكون مَن تظهر على جبهته بقعة سوداء علامة على صلاحه وتقواه وأن ذلك هو السيماء المذكور، وإنما المراد هو ما تقدم من تفسير ذلك بالخشوع والسَّمْت الحسَن أو أن المراد هو حُسن الوجه.
والله تعالى أعلم.
(٢) أخرجه بتمامه الإمام أحمد في كتاب الزهد ص (٦٣)؛ وأبو نعيم في حلية الأولياء ١/ ١٢.

<<  <   >  >>