للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهكذا فإن الانشقاق الذي أدخلته ازدواجية اللغة في العالم الثقافي للبلد الإسلامي؛ ليس فقط ذا طابع جمالي بل هو ذو طابع أخلاقي وفلسفي.

ومع ذلك فإن هذا الانشقاق يمكن له أن يتعمق أكثر من ذلك في بلادٍ إسلاميةٍ أخرى؛ حيث ازدواج اللغة لا يُستعمل لمجرد تفجير يطلق حركة العالم الثقافي الذي كان قد توقف فيه نبض الحياة الفكرية.

ففي الجزائر- مثلاً- وحتى الجزائر المستقلة؛ فازدواجية اللغة ليست فقط مجرد مفجِّر، بل هي أكثر من ذلك ديناميت قذف في العالم الثقافي، وإذا كان لم ينسف كل شيء فإن انفجاره أحدث أغرب الانشقاقات.

بادئ ذي بدء وفي أعلى المراتب ظهرت طائفتان من النخبة:

النخبة التي تتكلم العربية وتحاول مع (ابن باديس) أن تسترد الأصول الإسلامية، وهي الفكرة التقليدية التي أفلتت منها نهائياً مع سقوط الإصلاح، وفرار أتباعها إلى الوظائف العامة بعد الثورة.

وطائفة تتكلم الفرنسية وتتنكر بكل الأقنعة: كالكمالِيّة، والمصالية، والحركة المضادة للمصاليّة، والبربرية، والتقدمية، والوجوديّة المزيفة، والماركسية المزيّفة؛ كي تخدم تحت كل سمة من تلك السمات آلهة اليوم وتمائم الساعة، وفي الحقيقة لتخدم نفسها تحت أي قناع من هذه الأقنعة.

لقد تتابع الفاصل الزمني طوال نصف قرنٍ في عالم ثقافي خليط غير متجانس، حيث لا تستطيع فكرةٌ أن تنبثق مؤمنة بنفسها لتقود الشعب الجزائري إلى مصيره.

فالطائفة الأولى لم تنجح في إرساء اتصالٍ بين الروح الجزائرية والتقاليد الأصليّة للسلف الصالح؛ لعدم وجود اتصالٍ حقيقي لديها بنماذجها المثالية.

<<  <   >  >>