للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغالب يكون التعديل محدوداً، لكنها تقلب بصورة جذرية قاعدته الأخلاقية.

فعلى عتبة حضارة ما، ليس هو عالم الأشياء الذي يتبدل، بل بصورة أساسية عالم الأشخاص. وحتى الوسائل التقنية في هذه المرحلة بالذات لا تتجه نحو الأشياء، وإنما نحو الإنسان باعتبارها تقنية اجتماعية تحدد العلاقات الجديدة داخل المجتمع؛ على أساس ميثاق جديد، مُنَزَّل كالقرآن الكريم، أو موضوع من الأشخاص كدستور ( iassa) (١) جنكيزخان، والدستور الفرنسي (١٧٩٣) م.

لكن الشرط الأول لضمان شبكة علاقاته الجديدة داخل المجتمع كما رأينا؛ هو أن توضع حدود لطاقته الحيوية.

وهنالك في عالم الأفكار داخل المجتمع تراتب بين الأفكار التي تغير الإنسان والأفكار التي تغيّر الأشياء.

فالأفكار الأولى تضع قدرة تكيف الطاقة الحيوية على عتبة حضارةٍ، أما الأفكار الثانية فإنها تُطوِّع المادة لحاجات الحضارة في المرحلة الثانية من دورتها التي أشرنا إليها آنفاً.


(١) راجع تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، الدكتور حسن إبراهيم حسن ٤/ ١٣٤ - ١٣٧ حيث جاء فيه: ((ولما أمن جنكيز خان شر أعدائه فكر في ترقية حالة بلاده الاجتماعية والخلقية بوضع قانون يكون أشبه بكتاب ديني يسيرون على هديه في معاملاتهم وأحكامهم، فوضع لهم (اليساق) أو (الياسه) وقد روى المقريزي خلاصة هذا اليساق نقلاً عن أحمد بن البرهان، الذي اطلع على نسخة منه بخزانة المدرسة المستنصريّة ببغداد. وكذلك ذكر القلقشندي أن السياسة كلمة مغولية أصلها (ياسه) فحرفها أهل مصر وزادوا بأولها سيناً فقالوا سياسة، وأدخلوا عليها الألف واللام فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية ...
واسمع إذن كيف نشأت هذه الكلمة حتى انتشرت بمصر والشام، ذلك أن جنكيز خان القائم بدولة التتر في بلاد الشرق لما غلب ((أوتيك خان)) وصارت له دولة، قرر قواعد وعقوبات أثبتها في كتاب سماه (ياسه) ومن الناس من يسميه (يسق) والأصل في اسمه (ياسه)، وياسه كلمة تركية قديمة معناها القانون الاجتماعي".

<<  <   >  >>