للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الماء والحائل غير حصين (١) , فالماء على أصل الطهارة , ويكره استعماله. وقال الشافعي: لا يكره ; {لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حماما بالجحفة}. ولنا , أنه ماء تردد بين الطهارة والنجاسة مع وجود سببها , فأقل أحواله الكراهة , والحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يروى عن ابن عباس , ولم يثبت أن الوقود كان نجسا , ولا أن الحائل كان غير حصين , والحديث قضية في عين لا يثبت به نفي الكراهة إلا في مثلها , ولا يثبت به نفي الكراهة على الإطلاق. القسم الثالث , إذا كان الحائل حصينا , فقال القاضي: يكره , واختار الشريف أبو جعفر , وابن عقيل , أنه لا يكره ; لأنه غير متردد في نجاسته , بخلاف التي قبلها. وذكر أبو الخطاب في كراهة المسخن بالنجاسة روايتين , على الإطلاق).

قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (٢١/ ٦٩): (وأما المسخن بالنجاسة فليس بنجس باتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه وأما كراهته ففيها نزاع. لا كراهة فيه مذهب الشافعى وأبى حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما وكرهه مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنهما وهذه الكراهة لها مأخذان: أحدهما احتمال وصول أجزاء النجاسة إلى الماء فيبقى مشكوكا في طهارته شكا مستندا إلى إمارة ظاهرة فعلى هذا المأخذ متى كان بين الوقود والماء حاجز حصين كمياه الحمامات لم يكره لأنه قد تيقن أن الماء لم تصل إليه النجاسة وهذه طريقة طائفة من أصحاب أحمد كالشريف أبى جعفر وابن عقيل وغيرهما والثاني أن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه عندهم والحاصل بالمكروه مكروه وهذه طريقة القاضي وغيره فعلى هذا إنما الكراهة إذا كان التسخين حصل بالنجاسة فأما إذا كان غالب الوقود طاهرا أو شك فيه لم تكن هذه المسألة.

وأما دخان النجاسة فهذا مبنى على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحا طيبا كغيرها من الملح أو يصير الوقود رمادا وخرسفا وقصرملا ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان أحدهما لا يطهر كقول الشافعى


(١) غير حصين أي غير محكم وغير منيع.

<<  <   >  >>