للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلق الله عز وجل لأفعال العباد]

المرتبة الرابعة: خلق الله عز وجل لأفعال العباد، فالله عز وجل خالق كل صانع وصنعته، ولا يستطيع الصانع أن يصنع شيئاً إلا إذا أراد الله عز وجل إيجاد هذا الشيء، فقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥ - ٣٦]، وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:٧٣] أمرنا بأن نستمع لهذه الأمثلة ففيها العظة والعبرة: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:٧٣]، هؤلاء الآلهة -بوذا وغيرها من الأصنام والمعبودات الباطلة- لو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابة واحدة لا يقدرون على ذلك؛ فضلاً أن يملكوا الضر والنفع لعابديهم؛ ولذلك قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:٧٣]، لو أن ذبابة حطت على رأس صنم وأخذت منه شيئاً لا يستطيع هذا الصنم أن يأخذ من الذباب ما قد سلبه منه، فكيف يملك هذا الإله النفع والضر لغيره إذا كان لا يملكه لنفسه؟ مثل عظيم جداً، قال الله عز وجل: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ)) أي: تعبدون ((مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ))، وإذا كانت عاجزة عن الدفع عن نفسها؛ فمن باب أولى أن تكون عاجزة عن الدفع عن غيرها.

وقال الله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢] والآيات في ذلك كثيرة، وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦]، فأنت وعملك مخلوق لله عز وجل، عملك من خير وشر، من طاعة ومعصية لله عز وجل مخلوق، الله تعالى هو الذي أذن في خلقه، وأراده إذا كان طاعة إرادة شرعية، وإذا كان معصية أراده إرادة كونية قدرية على النحو الذي ذكرنا آنفاً، ومع ذلك فإن الله تعالى أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وأمره بذلك يمكن، فالمأمور مخلوق لله عز وجل، وفعله كذلك مخلوق، ومع ذلك يأمر وينهى.

وقال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، وقال: {لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام:١٥٢]، والله تعالى يحب المتقين المحسنين والمخلصين كما قال: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:١٩٥]، وانظر إلى الطاعات واقعة في دائرة المحبة، والمعاصي واقعة في دائرة البغض والكره: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:٧]، {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩]، ويرضى الله عز وجل عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين كما لا يحب الفسق، ويرضى الله عن الذين آمنوا كما قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [التوبة:١٠٠]، والرضا من محبة الله عز وجل، {وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:١٠٠]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:٧ - ٨].

أما الكفر فقال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:٣٢]، والله تعالى لا يرضى عن القوم الفاسقين، كما قال: {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٩٦]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة:١٨ - ٢٠].

لو أن حكومة أعلنت عن وظيفتين إحداهما: بألف جنيه في الشهر، والأخرى بمائة جنيه في الشهر، فإلام تصبو نفسك؟ لابد أنها تصبو للراتب الأكبر، وهذا يدل على أنك مميز تعقل ما ينفعك وما هو داخل في مصلحتك، وإذا كان الذاهب إ

<<  <  ج: ص:  >  >>