للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الفرق المبتدعة]

وفي الحديث مسائل: المسألة الأولى: هل هذه الفرق فرق كافرة، وبالتالي تستحق الخلود في النار مع الكافرين؛ لقوله: (وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)؟ هذه الواحدة هي الناجية من النار بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام، وبشهادة الله تعالى في قرآنه.

لكن المبحث هنا: هل هذه الفرق كافرة وخارجة عن دائرة الإسلام وحد الإسلام بالكلية؟ لا مانع أن يكون منهم من كان حاله على هذا النحو، كالذي يرد أصول الإسلام وقواعده العامة، ويتخذ الضلال له منهجاً وفكراً واعتقاداً يسلكه إلى قيام الساعة، فإن من أنكر قدر الله عز وجل، وأن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأن الله يفعل في خلقه ما يشاء، أو قال: إن الله لا يعلم ما يكون إلا بعد أن يكون.

لا شك أن هذا كافر بالله العظيم، وعلى ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإجماع المعتبر.

وأما من قال: إن محمداً أشبه بـ علي كالغراب بالغراب، والنملة بالنملة، والنحلة بالنحلة، وهو قول فرقة من غلاة الشيعة؛ ويسمون الغرابية لأنهم يلحقون محمداً بـ علي في الشبه كما يشبه الغراب الغراب، ولا يستطيع أحد أن يميز بين الغرابين، أو بين النحلة والنحلة، والنملة والنملة، وبئس المثل الذي ضربوه؛ لأن العرب لا تضرب المثل بالغراب إلا لمثل السوء، فالغراب عند العرب من الطيور المحتقرة لا من الطيور المحترمة، ولذلك هم ضربوا بهذا المثل ويريدون أن يصلوا إلى أن جبريل عليه السلام لفرط الشبه بين محمد وعلي نزل خطأً بالوحي على محمد، وكان حقه أن ينزل على علي بأمر السماء! ولذلك هم يتقربون إلى الله -بزعمهم- بسب ولعن صاحب الريش، يعنون جبريل عليه السلام، ومن كان هذا حاله لا شك أنه خارج عن دائرة الإسلام، ومخلد في النار مع الكفار الأصليين.

فكل من غالى من جميع هذه الفرق استحق الخلود في النار بسبب مروقه وخروجه عن حد الإسلام ودائرة الإيمان، أما من لم يكن مغالياً، أو كان جاهلاً تابعاً في جهله لغيره، وكان على استعداد لأن يقبل الحق إذا عرفه واطلع عليه، فلا شك أن هؤلاء في دائرة الإسلام وإن كانوا على خطأ.

إذاً: ليس كل هذه الفرق كافرة، إنما يكفر منها الغلاة، وبعض أهل العلم كفرها كلها أخذاً بظاهر الحديث: (كلها في النار)، ولكن أهل التحقيق من الفقهاء والمحدثين قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار) لا يعني الخلود الأبدي السرمدي الدائم في النار، وإنما المراد الخلود في لغة العرب، ومعناه المكث الطويل، وأن هؤلاء إذا دخلوا النار خرجوا منها لا محالة بشفاعة الشافعين، أو بعد أن يستوفوا الجزاء الذي ترتب على انحرافهم وميلهم عن صراط النبي عليه الصلاة والسلام.

ولذلك نقول: ما ذنب من نشأ في إيران على حب علي رضي الله عنه، بل على المغالاة في حب علي وذم معاوية رضي الله عنه؟ وما ذنب من نشأ بالشام يحب معاوية ويغالي فيه ويذم علياً رضي الله عنه وهو من الجهل بمكان، لا يدري ما تحقيق هذه المسائل؟ وهذا كلام الذهبي عليه رحمة الله في كتابه العظيم سير أعلام النبلاء.

الشاهد من هذا: أن خلود الكثير من أتباع هذه الفرق إنما هو بمعنى المكث الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>