للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصول الفرق المبتدعة وأصل نشأتها]

المسألة الثالثة: أصول هذه الفرق قد عدها بعض أهل العلم واختلفوا في عدها، فمنهم من ذكر ثنتين وسبعين فرقة، والراجح كما رجح ذلك ابن تيمية عليه رحمة الله: أن أصول الفرق هم: الشيعة، والقدرية، والجبرية، والمشبهة، والروافض، ومرد بقية الثنتين وسبعين فرقة إلى هذه الفرق، أي: أن هذه الفرق أصلها ست أو خمس أو أربع أو أكثر من ذلك، ثم تفرقت وتشعبت إلى فرق بلغت في تعدادها ثنتين وسبعين فرقة.

هذه الفرق لم تكن موجودة في زمن النبوة الأول، إلا أن ملامح بعضها قد بدأ في زمانه عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (سيخرج من أمتي أقوام يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)، يعني: لا يجاوز حلوقهم، إلى القلوب والأفهام والعقول، وإنما حظهم من كتاب الله التلاوة فحسب، لا يتدبرونه ولا يعرفون معناه، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وهذا الذي أتاه فقال له: (يا محمد! أعطني من مال الله، فإنه ليس مالك ولا مال أبيك) هكذا خاطب النبي عليه الصلاة والسلام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعطوه ما يريد، ثم لما ولى الرجل وأخذ نواله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: سيخرج من ضئضئ هذا -أي: من ظهر هذا أو من فكره ويكون تابعاً له في المعتقد- أقوام يقاتلونكم، وفي رواية: يقرءون القرآن ويحتجون به عليكم، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

ولذلك كثير من عامة الناس يغتر بأصحاب العبادات، وإن كانت العبادة المحضة لله على مراده ومراد رسوله من أعظم ما يمكن أن يتقرب به المرء إلى الله، ولكنها ليست وحدها الحاكمة على العبد بالاستقامة، فكثير من الزهاد والعباد إنما يعبدون الله تبارك وتعالى بجهل، ويسيئون أكثر مما يصلحون، ولذلك كان علي بن أبي طالب يضرب العباد في محاريبهم قائلاً لهم: (تفقهوا قبل أن تعبدوا).

حتى يعبدوا ربهم على بصيرة ونور.

<<  <  ج: ص:  >  >>