للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأغراض الحاملة على التدليس]

باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: المدلس إذا صرّح بالسماع انتفت عنه شبهة التدليس، فيتوقف في روايته حتى يتبين لنا سماعه من وجه آخر، فإن لم يتبين فحديثه مردود.

وأقسام التدليس ثمانية أو تزيد، منها: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ، وتدليس التسوية، وتدليس العطف، وتدليس السكوت، وتدليس البلاد، وتدليس القطع، وتدليس المتن، وهو الإغراب المتعمد من غير بيان، وغير ذلك.

الأغراض الحاملة على التدليس: أولاً: إيهام علو الإسناد، وخاصة في تدليس التسوية، ومعنى العلو الاقتراب من صاحب الكلام، فبدلاً من أن يكون بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عشر طبقات سيكون بينه وبينه تسع طبقات، فيختصر طبقة.

فالعلو هو القرب من القائل.

وتدليس التسوية هو أن يعمد الراوي إلى شيخ شيخه الضعيف فيسقطه حتى يسوي الإسناد كله ثقات، وفي نفس الوقت فإن الطبقة التي أسقطها تقربه درجة من النبي عليه الصلاة والسلام.

ثانياً: أن يفوته شيء من حديث شيخ، وقد سمع منه الكثير.

فلو أن شيخاً عنده (١٠٠٠) حديث سمع منها المدلس (٩٥٠) حديثاً، وبقي خمسون، فإنه يرويها عن ذلك الشيخ بصيغة محتملة للسماع، فيقول: قال فلان، أو عن فلان.

وهذا مثل أن يكون الشيخ يحدث من كتابه، فلما بقي خمسون أو مائة حديث مات الشيخ أو رحل وقد نسخ الطالب الكتاب، فيقول: أنا أروي البقية عنه بصيغة: قال وعن.

ثالثاً: ضعف الشيخ، وهذا كما كان يفعل بقية تلميذ الأوزاعي، فقد كان الأوزاعي يروي عن بعض الشيوخ الضعفاء، ولم يكن مدلساً، وإنما كان يقول: حدثني فلان، فأراد بقية أن يورّع وينزّه الأوزاعي من الرواية عن أمثال هؤلاء الضعفاء، فكان بحذف الشيخ الضعيف -الذي هو شيخ الأوزاعي -والذي يعتبر شيخ شيخه- حتى يسوي الإسناد كله فيكون عن ثقات، ويظهر في الصورة أن شيخ الأوزاعي ثقة، ويقول: قال الأوزاعي: عن شيخه عن فلان.

رابعاً: صغر سن الشيخ، فقد كان المدلس إذا كان عمره كبيراً يأنف أن يروي عن شيخ أصغر منه سناً، فيسقطه من الإسناد ويذكر شيخه مباشرة.

خامساً: تأخر وفاة الشيخ حتى شاركه في السماع منه جماعة كثيرة دونه، فهو يأنف أيضاً من ذكر ذلك الشيخ؛ لأن الشيخ لما طال عمره سمع منه أجيال كثيرة، وهذا المدلس من قمة الأجيال التي أخذت عن ذلك الشيخ، فيشاركه الأولاد الذين أعمارهم تتراوح بين (١٠ - ١٥) سنة، فإذا قال: حدثني فلان قال الصبي الصغير: حدثني فلان، فيتوهم السامع أن الذي يبلغ من العمر (١٠٠) عام كالذي يبلغ من العمر (١٠) سنوات، وأنهما في طبقة واحدة، فيسقط المدلس ذلك الشيخ ويذكر شيخ شيخه؛ لأن شيخ شيخه لم يُدركه هؤلاء الصغار، فهو يريد أن يخرج من مشاركة الصبيان في الطبقة والسماع، وفي ذلك الشيخ على وجه الخصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>