للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تصنيف العلماء لعلوم المصطلح في القرن الثالث الهجري]

كان القرن الثالث هو عصر الازدهار في التدوين والتصنيف، وقد صُنّفت هذه العلوم مفردة ولكل علم مصنف خاص.

فألّف يحيى بن معين كتاب تاريخ الرجال، وأحمد بن حنبل صنّف كتاباً في العلل، والبخاري صنّف في الرجال التاريخ الكبير والأوسط والصغير، ويعقوب بن شيبة السدوسي صنّف المسند المعلل ولم يكمله، بل جمع فيه ما يقارب ثلاثين جزءاً، ولو أكمله لجاء في مائتي مجلد.

وهناك من أكثر في هذا القرن من التأليف في أنواع علوم الحديث كـ علي بن المديني، فقد ألّف في فنون كثيرة حتى بلغت مؤلفاته مائتا كتاب، كما وجد في هذا القرن من كان يكتب شيئاً في علوم الحديث، ويجعله كمقدمة لكتاب في الحديث، كالإمام مسلم في صحيحه، ومسلم توفي سنة (٢٦١هـ)، والبخاري توفي سنة (٢٥٦هـ)، والإمام أحمد بن حنبل توفي سنة (٢٤١هـ)، والشافعي ولد سنة (١٥٠هـ)، أي: في نفس العام الذي توفي فيه أبو حنيفة، وتوفي سنة (٢٠٤هـ)، ومالك توفي سنة (١٧٤هـ).

ومعرفة تاريخ المواليد والوفيات مهم جداً، فإذا قال شخص: حدثني الشافعي عن الخطيب البغدادي كذبناه؛ لأن التاريخ يكذّبه، وقد دخل رجل على الخطيب البغدادي فقال: حدثني فلان ببلاد الشام، وظل يقول هكذا في عشرين حديثاً، فلما انتهى استدعاه الخطيب البغدادي وقال: من أين أنت؟ قال: أنا من العراق، قال له: ومتى لقيته؟ قال له: سنة (٢٠٤هـ)، قال له: وكيف لقيته وهو قد مات سنة (١٩٨هـ)! أي: أن بين رحلتك وبين موته ست سنوات.

فمعرفة التواريخ مسألة مهمة جداً في نقل الأخبار.

والإمام مسلم عندما اشترط الصحة في صحيحه شرطه على أصل الصحيح لا على المقدمة؛ لأن المقدمة فيها الضعيف والصحيح، ولما صنّف الإمام مسلم المقدمة لم يقصد بها عين الكتاب، وإنما حث الناس على التحري في نقل الأخبار، وذكر الجرح والتعديل، ومن كان مجروحاً ومن كان معدّلاً، وغير ذلك من المسائل التي ذكرها واهتم بها.

يقول: وكذلك ما كتبه الإمام أبو داود في رسالة مستقلة إلى أهل مكة، يصف فيها المنهج الذي سار عليه في تصنيف كتابه السنن.

وقد أفرد الإمام مسلم بالتصنيف كتباً مستقلة في أبواب مصطلح الحديث، ككتاب الوحدان، وكتاب الطبقات، وكتاب المخضرمين، وكتاب الكنى والأسماء.

ومنهم من كان يجعل تلك الكتابة كملحق لكتاب من كتب الحديث كالإمام الترمذي، فقد جعل كلامه في العلل في آخر كتاب الجامع، وكذا ما بثه من الكلام على أحاديث جامعه في طيات الكتاب من تصحيح وتضعيف وتقوية وتعليل.

إن الكلام في مقدمة هذا العلم لا ينتهي، وهذه إنما هي نبذة عن هذا العلم، وعن مراحل تدوينه، واهتمام أهل العلم به بقدر الإمكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>