للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بشارة النبي عليه الصلاة والسلام بفتح بلاد الشام وبيت المقدس]

وقد بشر النبي عليه الصلاة والسلام بفتح بلاد الشام وبلاد بيت المقدس، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنا فأخذا المعول -أي: الفأس- فقال: باسم الله، فضربها ضربة فكسر ثلثها) فكان أقوى الناس عليه الصلاة والسلام، قال: (فكسر ثلثها وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتح الشام)، أي: كأن الخريطة التي عليها صورة الشام كانت مخبأة تحت هذا الثلث، فلما كسر النبي الثلث ظهرت الشام، فقال النبي: (الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله! إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله! إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة وقال: باسم الله.

فقطع بقية الحجر وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله! إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة)، وهذا شيء عجيب لا يأتي إلا في غزوة الخندق، ولا أحد يجد لقمة العيش، ومع هذا يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن، وفارس، والشام، قال هذا وهم يحفرون خندقاً مخافة المشركين، وأكثر من هذا أن تيجان هؤلاء الملوك في هذه الأرض -أرض الروم وفارس- يأخذها بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فيضعونها في أيديهم أو في رقابهم أو على رءوسهم تيجاناً يتذكرون بها ما كان في الأيام الخالية السالفة الماضية، أيام كان الواحد منهم يأكل ورق الشجر، فقد سار وصار إلى ما بشر به النبي عليه الصلاة والسلام من أمر هذه الفتوحات.

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بناء له فسلمت عليه فقال: عوف؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: ادخل، قلت: كلي أو بعضي يا رسول الله؟!) يمزح مع النبي صلى الله عليه وسلم، (قال: كلك، ثم قال: اعدد - عوف - ستاً بين يدي الساعة: أولهن موتي) وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار إلى السبابة والوسطى)؛ لقربهما من بعض، والتصاقهما ببعض، وكأنه قال: بعد موتي الساعة، حتى وإن طال الزمان، فكل غد قريب.

قال: (فاستبكيت حتى جعل الرسول يسكتني، قال: قل: إحدى، والثانية: فتح بيت المقدس)، إذاً: الذي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم هو فتح بيت المقدس، ولما جاء عمر رضي الله عنه يقول: يا أبا بكر! أنت ترى المرتدين الذين ارتدوا في الجزيرة فارجع جيش أسامة نستغله في محاربة المرتدين، فـ أبو بكر رضي الله عنه ببعد نظره الذي علم من النبي عليه الصلاة والسلام أن بعد الموت فتح بيت المقدس، وأن النبي هو الذي جهز جيش أسامة قال: والله! ما كنت أحل لواءً عقده النبي عليه الصلاة والسلام، وهو على يقين من ربه أن الله تعالى سيفتح على أسامة؛ لأن هذه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ما كان من فتح بلاد الشام ورجوع المرتدين على أنكاصهم.

(قال: قل: اثنتين، فقلت: اثنتين، قال: الثالثة: فتنة تكون في أمتي)، وعظم النبي شأنها جداً، (قال: والرابعة: موتان يقع في أمتي يأخذهم كعقاص الغنم)، داء ينشأ في الغنم إذا نشأ فيها أخذها حتى استأصلها، (والخامسة: يفيض المال فيكم فيضاً حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيظل يسخطها) مائة دينار ذهباً، والدينار بمائتي جنيه في هذا الوقت، ومائة دينار في مائتين بعشرين ألفاً، فإذا قيل للواحد: خذ مائة دينار ذهباً يقول: لا أريد؛ ما هذه المائة الدينار؟ وأنت في هذا الوقت تقول: نحن أين والأيام هذه أين؟ يا ليتها تعجل، فنقول: لا تقل ذلك؛ فإنها إذا عجلت فالساعة فيها والفتنة فيها، والنجاة في بلاد الشام، (قال: قل: خمساً، والسادسة: هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر -الروم- يسيرون إليكم على ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً) واثنا عشر في ثمانين بتسع مائة وستين ألفاً، يعني: حوالي مليون جندي، قال: (فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق)، أليست هذه أرض الملحمة؟ أرض الملحمة في أرض الغوطة بجوار دمشق.

وعن معاذ بن جبل قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ست من أشراط الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ الناس كعقاص الغنم، وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم، وأن يعطى رجل ألف دينار فيتسخطها، وأن تغدر الروم) يعني: النصارى، والعجيب أن الملحمة الكبرى هذه سيأتي فيها عدو للروم والمسلمين في آن واحد لا يقوى عليه المسلمون ولا يقوى عليه الروم، وسيعقد المسلمون وبنو الأصفر هدنة بينهم ممنوع الحرب بين المسلمين وبين الروم، و

<<  <  ج: ص:  >  >>