للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر الأبواب التي أخرج فيها البخاري الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب الساعة]

قبل أن نتطرق لفهم المصنف أو الكاتب إلى المعنى العام والشرح العام لهذين الحديثين لابد أن نعرج على هذين الحديثين كما أخرجهما البخاري في صحيحه في أي الكتب والأبواب أخرجهما، وقيمة هذه الفائدة أن أهل العلم قالوا: إن وضع الحديث تحت باب معين يدل على أنه من جنس ذلك الباب، ومن الخبل وضع الحديث تحت باب لا يناسبه.

فلو أنك أردت أن تبحث -مثلاً- عن حديث وصف عثمان رضي الله عنه لصفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام لبحثت عنه في باب الوضوء، ولو بحثت عنه في كتب الفتن أو الفضائل فليس عندك رائحة العلم؛ لأن هذا الحديث لا علاقة له بالفتن ولا بالفضائل، وإنما علاقته بأحكام الوضوء، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن تبحث عنه في كتب الوضوء من كتب السنة.

والإمام البخاري الذي استدل أهل العلم على عظيم فقهه من مجرد تبويبه ووضعه الأحاديث تحت الأبواب المناسبة لها لم يفهم من هذه الأحاديث ما فهمه المصنف، فالإمام البخاري روى الحديث في أبواب متعددة، فرواه في كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، وعلاقة الحديث بهذا الباب واضحة، فوقت العصر ممتد إلى غروب الشمس، ويبينه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فالإمام البخاري لم يورد هذا الحديث في كتاب الفتن، وإنما أورده في كتب الفقه، وأورده في كتاب الإجارة، باب: الإجارة إلى نصف النهار، وباب: الإجارة إلى صلاة العصر، وباب: الإجارة من العصر إلى الليل، وهذا هو الذي يدل عليه ظاهر حديث أبي موسى الأشعري الحديث الثاني.

وأورده كذلك في كتاب الأنبياء، باب: ما جاء عن بني إسرائيل.

فأورد الحديث هناك ليدل على أن بني إسرائيل قوم غدر وخيانة وظلم وتعد واستنكاف وامتناع عن الائتمار بأوامر الله عز وجل، ويدل عليه قوله: (فعجزوا)، فاليهود عجزوا في منتصف النهار، والنصارى عجزوا في العصر، بمعنى: امتنعوا ولم يؤمنوا، وأورده كذلك في كتاب فضائل القرآن، باب: فضل القرآن على سائر الكلام، أي: فضل القرآن على التوراة والإنجيل.

قال الحافظ ابن حجر في الجزء التاسع صفحة (٦٧): وهذا الحديث يدل على ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وثبوت الفضل لها إنما ذلك بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به، كما أورده كذلك في كتاب التوحيد، وهو في المجلد الثالث عشر، باب في المشيئة والإرادة؛ لقول الله عز وجل: (إنما هو فضلي أوتيه من أشاء)، ولما اعترض اليهود على أن الله تبارك وتعالى كافأ أمة محمد عليه الصلاة والسلام بما لم يكافئهم به مع أنهم أطول في الزمن من أمة محمد قال: (هل غمصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: هو فضلي أوتيه من أشاء).

ولذلك أورده البخاري في كتاب التوحيد، في المشيئة والإرادة.

قال الحافظ ابن حجر في المجلد الثالث عشر صفحة (٤٥١): وفي قوله: (ذلك فضلي أوتيه من أشاء) إشارة إلى جميع الثواب، لا إلى القدر الذي يقابل العمل كما يزعم أهل الاعتزال.

فوضع الكاتب والمصنف هذه الأحاديث في باب الفتن وأشراط الساعة وقربها فهم غير مستقيم، ولو كان مستقيماً لسبقه إليه سلف الأمة، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يتصور أن هذا المعنى قد خفي عليه عليه الصلاة والسلام، أو على أصحابه أو على التابعين أو أتباعهم، أو علماء الأمة على وجه العموم، وظهر للأخ المصنف الذي صنف كتاب (عمر أمة الإسلام).

<<  <  ج: ص:  >  >>