للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح المصنف للحديثين اللذين استدل بهما على قرب قيام الساعة والرد عليه]

وقال المصنف في شرح هذه الأحاديث في صفحة (٤٦): يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين عن مدة بقاء أمة الإسلام في هذه الحياة الدنيا بالنسبة للأمم قبلها، وأنها تمتد من صلاة العصر إلى غروب الشمس.

وهذا أحد التأويلات التسعة، وليس هو قول أهل العلم قاطبة، ومدة اليهود هي الفترة من الفجر إلى صلاة الظهر، أي: نصف النهار.

ومدة النصارى من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، أي: أن مدة اليهود نظير مدتي المسلمين والنصارى مجتمعين؛ لأن نصف النهار من الفجر إلى الظهر، والنصف الثاني من الظهر إلى المغرب.

فعمر اليهود يساوي عمر النصارى زائداً عمر المسلمين.

وقال في صفحة (٤٨): قال الحافظ ابن حجر في كتابه القيم فتح الباري تعليقاً على أحاديث عمر الأمم ما نصه: واستدل به -أي: بالحديثين المذكورين، حديث ابن عمر وحديث أبي موسى - على أن بقاء هذه الأمة -أي: أمة الإسلام- يزيد على ألف.

وقول الحافظ ابن حجر واستدل كأنه للتمريض، وكأنه قال: وقيل: إن هذا الحديث فيه من الفوائد أن مدة عمر المسلمين ما بين صلاة العصر إلى المغرب، وهذه تدل على أن عمر أمة الإسلام يزيد على ألف؛ لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين.

وقال: وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من (٢٠٠٠) سنة.

هذا الكلام مردود غير مقبول؛ لأن اتفاق أهل النقل والإخباريين على أمر بغير دليل قول مردود، وإن قبلناه فإننا نقبله من باب الاستئناس به، ولا يدري أهل النقل بالأخبار عن عمر الدنيا السابق، أو عن عمر الأمم السابقة أو حتى عن عمر أمة اليهود شيئاً؛ إذ كل ذلك ليس مسطوراً ولا منصوصاً عليه.

وهب أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة، فألف سنة صارت الآن في عداد اليقين، ولكنه لم يقل: ألفا سنة، وإنما قال: أكثر من ألفي سنة، فما هي هذه المدة التي عبر عنها بلفظ أكثر، هل هي ألفان ومائة أو ومائتان أو وثلاث أو وأربع أو وخمس أو وست، كل هذا يحتاج إلى دليل.

وقد رجح أن هذا الأكثر مائة عام فقط بدون دليل.

قال: ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة.

وقال أيضاً: إن مدة عمر اليهود نظير -أي: تساوي- مدتي عمر النصارى والمسلمين مجتمعة.

وقال في صفحة (٤٩): وحيث إن مدة عمر اليهود والنصارى تزيد على ألفي سنة، ومدة عمر النصارى هي ستمائة سنة، فإذاً: بالطرح الجبري يكون عمر أمة اليهود ألف وأربعمائة سنة؛ لأنه قال: إن عمر أمة اليهود زائد عمر أمة النصارى ألفي سنة، فلما ثبت أن عمر أمة النصارى ستمائة سنة بقى لليهود ألف وأربعمائة سنة.

وقال: وذكر أهل النقل وكتب التاريخ العام أن هذه الزيادة تزيد عن مائة سنة قليلاً.

ولم يبين مدة هذا القليل، وهذا القول قول مردود، وأحق منه بالرد أن هذا إنما جاء في كتب التاريخ فقط، وكتب التاريخ لا علم لها بأعمار الأمم، فيبقى الموضوع من أصله ساقطاً وهابطاً.

قال: إذاً: عمر أمة اليهود (١٥٠٠)؛ لأن (١٤٠٠) زائد (١٠٠) وزيادة قليلاً يساوي أن عمر أمة اليهود (١٥٠٠) سنة وتزيد قليلاً، وحيث إن عمر أمة الإسلام يساوي عمر أمة اليهود الذي هو (١٥٠٠) سنة ناقص عمر النصارى الذي هو (٦٠٠) سنة، فإذاً: عمر أمة الإسلام يساوي (٩٠٠) سنة.

وهذا ما ذهب إليه أن عمر أمة الإسلام (٩٠٠) سنة.

وقد وقع الإمام الطبري في هذا الفخ؛ لأنه أول من عد عمر الأمة بالحساب، واليهود هم أول من اخترع العد الحسابي في عمر الأمم، وتبعهم بعض أهل على التاريخ وعلى رأسهم الطبري فوقعوا في المحظور.

يقول الكاتب بالعنوان العريض: إذاً: عمر أمة الإسلام يساوي (١٤٠٠) سنة تزيد قليلاً، وقد أتى بـ (١٤٠٠) سنة من حديث سعد بن أبي وقاص، فإنه لما قال: إن عمر أمة الإسلام بالحساب مع عمر أمة اليهود والنصارى (٩٠٠) سنة ضم إلى هذه (٩٠٠) سنة (٥٠٠) سنة أخرى من حديث سعد بن أبي وقاص الذي فيه: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم)، فقال عن اليوم: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧]، ونصف اليوم عند الله عز وجل يساوي خمسمائة سنة، فبإضافة (٥٠٠) سنة إلى (٩٠٠) سنة يساوي (١٤٠٠) سنة، قال: تزيد قليلاً؛ لقوله: إن عمر أمة اليهود يزيد عن (١٤٠٠) سنة قليلاً، فسحب هذا القليل كذلك على عمر أمة الإسلام حتى يستقيم له الحساب الجبري.

ثم قال: مضى من هذا القليل (٣٠) عاماً.

وللسيوطي رسالة بعنوان: (الكشف عن تجاوز هذه الأمة الألف)، ورغم أنه إمام وعلم مبجل إلا أنه في السنة على جهة الخصوص حاطب ليل، فهو جمّاعة، وليس من المحققين، وقال في رسالته (الكشف): الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على الألف ولا تبلغ الزيادة (٥٠٠) أصلاً، والسيوطي مات في القرن العاشر سنة (٩١١هـ).

وقد عضد المصنف كلامه بكلام الحافظ

<<  <  ج: ص:  >  >>