للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إبراز الأمور الظنية في صورة اليقين]

ومن المساوئ والمثالب التي يمكن أن توجه على سبيل الإجمال لهذا الكتاب: أن الكاتب ذكر فيه أموراً ظنية وأبرزها في صورة اليقين، وأن الحرب التي تكلم عنها في صفحة (٣٥) إلى (٣٧)، وهي المعروفة بحرب هرمجدون تكلم عنها كأنها واقع مشاهد الآن، وأنها تسبق السلام المشوه المزعوم الذي نسمع عنه الآن مع اليهود والنصارى، فقال: هذه الحرب إنما يسبقها ذلك السلام المشوه.

ونقول له: وما علمك بهذا؟ ويقول: حرب هرمجدون هذه حرب عالمية مدمرة، وهي حرب تدور على أرض فلسطين في واد يسمى وادي مجيدو، وبعضهم يسميه وادي عبد المجيد.

وهذه الحرب يسميها المؤلف الحرب المدمرة التي لا تبقي ولا تذر.

ثم يقول بعد ذلك: إنها الحرب التي يسبقها السلام المشوه -أي: الآن- الذي نسمع عنه في كل وقت وحين.

ثم يقول: إن هذه الحرب هي حلقة الوصل بين الحقبة الزمنية التي نعيشها وبين ظهور المهدي.

وكأنه يريد أن يقول: بعد هذه الحرب مباشرة سيظهر المهدي المنتظر.

ثم يقول: إنها بداية النهاية.

فجعلها من العلامات الكبرى التي تساوي الخسف والزلازل التي تسبق قيام الساعة.

فهذه الحرب لما تكلم عنها تكلم عنها وكاد أن يحدد وقتها؛ لأنه حدد أنها بعد السلام المشوه وقبل ظهور المهدي، أو أن المهدي يظهر بعدها، ويشعرك كأن هذه الحرب في هذه الأيام، وإبراز هذه الحرب في صورة يقينية أمر يعاب الكاتب عليه؛ لأنها كلها ظنون؛ لأنها محل اجتهاد، وهو لم يعبر عنها بالظن، وإنما عبر عنها بألفاظ تدل على اليقين.

والاحتمال واسع يقبل ويرد كما ذكرنا ولا يعاقب صاحبه، فلو أخبرك شخص أن حرباً ستدور غداً، وقال: أنا أتوقع أن تدور على أرض فلان حرب في الغد لقلنا: يحتمل أن تقع ويحتمل ألا تقع، وأما هو فقد أكد أن هذه الحرب ستدور في واد مجيدو، وأنها ستدور بين فلان وفلان، وهذا على سبيل الجزم، وهو مما يعاب عليه.

ثم لما تكلم في أمر المهدي المنتظر قال: المهدي عليه السلام.

وأهل العلم لا يقولون المهدي عليه السلام؛ لأن إطلاق لفظ عليه السلام يدل على أنه نبي مرسل، وليس الأمر كذلك، بل هو رجل من الصالحين يصلح الله تبارك وتعالى به الدنيا والدين.

ولما تكلم المصنف عن المهدي تكلم بكلام في غاية الخطورة، فقد نفى أن يكون هناك خير قبل ظهور المهدي، وكأنه أراد أن يقول لك: أرح نفسك، فلا يوجد خير قبل وجود المهدي، فلا تنتظر خلافة ولا تمكيناً ولا عملاً للإسلام ولا شيء من هذا.

ثم يقول في مكان آخر: ولست بهذا أقول، ولا أدعو أن ندع العمل، بل لابد من العمل، وكل ميسر لما خلق.

وهذا الكلام الذي قاله محتمل، يعني: يحتمل ألا يكون هناك خير بمعنى الخلافة الراشدة إلا في ظل المهدي، ويحتمل أن يكون ذلك قبل ظهور المهدي، ولكنه في معظم مواطن الكتاب يائس تماماً من حصول الخير والرشاد والخلافة الراشدة في الأرض إلا على يد المهدي، وكأنه يريد أن يقول لك: أرح نفسك لا يوجد خير أبداً، ولا تنتظر شيئاً؛ لأن ذلك لا يكون إلا بظهور المهدي، ثم يقول لك: ولكن انتبه، فلا يحملك هذا على ترك العمل، بل اعمل حتى تعذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>