للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تبني الأقوال الضعيفة في تفسير الأحاديث]

الأمر الثاني: أنه لما سرد أحاديث عمر أمة الإسلام بزعمه تبنى في تأويلها أضعف الأقوال وأخفى أقواها، وهذا ليس من الأمانة العلمية في شيء، فقد تبنى التأويل الحسابي، وجعله راجحاً بدون مرجح، في حين أن الصواب عندما يكون عندي في دليل واحد عدة آراء واحتمالات، وأردت أن أختار رأياً منها، فلابد أن يكون هذا الرأي من الآراء الراجحة أو -على أقل- أن يكون رأياً من الآراء غير المنقوضة، ولا يجوز لي أن أقول: إن هذا الرأي بعينه هو الرأي الراجح إلا إذا كان هناك مرجح يؤيد كلامي.

والترجيح بغير مرجح عند أهل العلم تحكم بلا دليل، والتحكم بغير دليل ساقط لا عبرة به.

والكتاب فيه أمور ظنية كثيرة، وقد جعلها المصنف يقينية قطعية، كهرمجدون وتأويل النصوص وقيام حرب قبل الساعة وانتهاء أشراط الساعة الصغرى، وكاد المؤلف أن يجزم أن كل أشراط الساعة قد ظهرت، مع أن أهل العلم لا يزالون يعتقدون أن العلامات الصغرى منها ما قد ظهر ومنها ما لم يظهر، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يحدد في حديث واحد أن العلامات هي كذا، ثم كذا ثم كذا، ولا حتى وردت نصوص في العلامات الكبرى فضلاً عن الصغرى، فكيف يجزم هو بأن جميع العلامات الصغرى قد ظهرت وفرغ من أمرها، حتى ننتظر بعد ذلك العلامات الكبرى؟! وما هي المدة الزمنية بين انتهاء العلامات الصغرى والعلامات الكبرى؟! هذا أيضاً غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل.

وظهور العلامات الكبرى من جنس الغيب، فإذا قال المؤلف: إنني أتكلم عن عمر أمة الإسلام قلنا له: هذا من الغيب، فلا يجوز لك أن تتكلم عن الساعة ووقتها وتحديدها، وهو ينفي في مواضع من كتابه أن يتكلم عنها، ثم يقرر ذلك، كما قرأت عليكم قوله: (إن عمر أمة الإسلام إنما هو بظهور تلك الريح التي تقبض روح العبد المؤمن)، وهذا كلام أيضاً ساقط وهابط؛ لأن عمر الأمة لا ينتهي عند هذا الحد؛ لأنك إذا قلت هذا يلزمك أن تقول: إن شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة ليسوا من أمة محمد، وعلى هذا يلزمك أن تعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق خلقاً ولم يبعث إليهم رسولاً ولا نبياً، فهم معذورون؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يرسل إليهم رسولاً ولا نبياً، والحديث قد وصفهم أنهم من شرار الخلق، وليس هناك من أهل العلم من يقول بهذا، فلابد أن تقول: إن هؤلاء القوم الأشرار هم من أمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وليسوا من أمة اليهود؛ لأن المؤلف ذكر أن حرب هرمجدون ينتهي فيها ثلثي اليهود والنصارى، ثم بظهور المهدي يتخلص من الثلث الثالث.

إذاً: شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة هم من أمة محمد، وأما القول بأنهم ليسوا من أمة محمد فهذا يلزم منه الدور، وهذا أمر بعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>