للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رد القاضي عياض على من قال بالعد الحسابي]

وقد رد أهل العلم على ابن جرير الطبري والسهيلي والسيوطي الذين قالوا بالعد الحسابي، وحسبوا عمر أمة الإسلام من خلال العد الحسابي.

قال القاضي عياض وهو يتكلم على حديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين.

وأشار بالسبابة والوسطى): حاول بعضهم في تأويله -أي: في تأويل هذا الحديث- أن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى، وأن جملتها سبعة آلاف سنة؛ لأنه قد روي عن ابن عباس مرفوعاً أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وجاء هذا عن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه، والثلاثة إنما كانوا يأخذون من أهل الكتاب، كما أن هذه الآثار والأحاديث لم يصح منها شيء، لا مرفوع ولا موقوف، وهذا لما كان من أصول الغيب فلا يجوز الخوض فيه إلا بدليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم، فلما انتفى ذلك لابد وأن ينتفي الكلام في عمر الدنيا وفي عمر الأمة.

ولهذا الطبري اعتبر حديث ابن مسعود أصلاً في حساب عمر الأمم، قال: الدنيا سبعة آلاف، وفرق ما بين السبابة والوسطى.

يعني: هذا الفرق اليسير في الطول بين السبابة -وهي التي يشير بها المصلي- وبين الوسطى قال: نصف السبع، ونصف السُّبع (٥٠٠)، ولذلك قال الإمام الطبري: لا تتجاوز هذه الأمة الألف، ثم لما تجاوزت الألف بعد موت الطبري جاء السهيلي وقال: ممكن أن يكون أكثر من (١٠٠٠).

وقال القاضي عياض: حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى، وأن جملتها سبعة آلاف سنة، واستند إلى أخبار لا تصح.

وانتبه إلى هذا الكلام؛ لأن المؤلف اعتمد على هذا الكلام ولم يلتزم الأمانة العلمية في نقد أهل العلم لهذه الروايات المروية، بل اعتمد عليها على أنها يقين ثابت.

قال: وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع، وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول، قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك، لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار، وإذا كان ذلك ثابتاً صحيحاً لم يقع خلافه، فلما وقع خلافه دل على أنه غير صحيح.

وقد نقل المؤلف كلام الحافظ ابن حجر، مع أن الحافظ ابن حجر ينقل عن غيره، ولكنه نسبه إلى الحافظ ابن حجر ليعضد مذهبه ورأيه.

قال الحافظ ابن حجر: وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلاثمائة سنة، وقال ابن العربي: قيل: الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها، وكذلك الباقي من الدنيا من البعث إلى قيام الساعة، وهذا بعيد، ولا يعلم مقدار الدنيا، فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول، إذا كانت الدنيا لم يصح في مقدارها وتعيينها وتحديد عمرها حديث بعينه؛ فكيف يصح لنا أن نقول: إن عمر أمة الإسلام في الدنيا نصف السبع؟! فإذا كان السبع عندنا كله غير معلوم، فكيف نقول بأن عمر أمة الإسلام نصف السبع، وهو (٥٠٠) عام؟! قال القاضي عياض: فالصواب الإعراض عن ذلك، يعني: السكوت عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>