للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رد الحافظ ابن حجر على من قال بالعد الحسابي]

قال الحافظ ابن حجر: السابق إلى ذلك -أي: الذي سبق إلى العد الحسابي- أبو جعفر بن جرير الطبري، فإنه أورد في مقدمة التاريخ عن ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة (٧٠٠٠) سنة، وقد مضى (٦١٠٠) سنة، فالباقي (٩٠٠) سنة.

وأورده من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عنه، ويحيى هو أبو طالب القاص الأنصاري قال البخاري: منكر الحديث.

ثم يروي بعد ذلك حديث ابن عمر: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان -وهو اسم جبل في مكة- مرتفعة بعد العصر، فقال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه)، وذكر حديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس بن مالك: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وقد كادت الشمس أن تغيب -وحديث أبي سعيد: عند غروب الشمس-: إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه).

وهذه الأحاديث لم يصح منها إلا حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

قال: وعلى صحة هذه الأدلة فلها احتمالات: أن المراد بالتشبيه التقريب، أي: تقريب الساعة، ولا يراد حقيقة المقدار، فبه يجتمع مع حديث أنس وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما.

والاحتمال الثاني: أن يحمل على ظاهره، فيقدم حديث ابن عمر لصحته، ويكون حديث أنس وأبي سعيد مردودان.

ثم أيد الطبري كلامه بحديث الباب، أي: بحديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ولفظه: (والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم).

فنصف السبع في حديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، يعني: (٥٠٠) عام، وبإضافة ال (٥٠٠) عام في حديث أبي ثعلبة الخشني إليها يكون المجموع (١٠٠٠) سنة.

ثم قال: من حديث سعد بن أبي وقاص: (إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرها نصف يوم، قيل لـ سعد: كم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة).

وهذا الحديث أيضاً فيه انقطاع.

قال الطبري: ونصف اليوم (٥٠٠) سنة، أخذاً من قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج:٤٧]، فإذا انضم إلى قول ابن عباس: إن الدنيا (٧٠٠٠) سنة توافقت الأخبار، فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور (٦٠٠٠) سنة، وقد أورد السهيلي كلام الطبري وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد، وأكده بحديث ابن زمل رفعه: (الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها)، أي: في القرن الأخير أو في الألف الأخير.

قلت: وهذا الحديث إنما هو عن ابن زميل أو ابن زمل، وسنده ضعيف جداً، وفي إسناده مجهول.

ثم يقول السهيلي: ثم جوز أن يكون في عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث ابن زمل.

فقد تكلف في التأويل لإثبات ما في حديث ابن زمل، مع أنه حديث منكر أو ضعيف مردود.

قال: وذكر أن عدتها -أي: عدة الحروف- (٩٣٠).

يقول الحافظ ابن حجر: وهو مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف -وابن زمل مغربي- وأما المشارقة فينقص العدد عندهم (٢١٠)؛ لأن حرف السين عند المغاربة بـ (٣٠٠) والصاد بـ (٦٠)، وأما المشارقة فالسين عندهم (٦٠) والصاد (٩٠) -فهذا الكلام قريب من السحر- فيكون المقدار عندهم (٦٩٣)، وقد مضت وزيادة عليها (١٤٥) سنة، فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل.

فالحافظ ابن حجر رد العد الحسابي الأول، ثم رد العد على حساب الحروف القرآنية.

قال: وقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن عد أبي جاد -أي: عد الحروف الأبجدية- والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر؛ وليس ذلك ببعيد، فإنه لا أصل لها في الشريعة.

وقال ابن العربي: ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور، أي: ومن الباطل العد على حساب الحروف، وليست الحروف ذاتها.

قال: وقد تحصل لي فيها عشرون قولاً وأزيد، ولا أعرف أحداً يحكم عليها بعلم ولا يصل فيها إلى فهم.

يقول الحافظ ابن حجر: وأما عد الحروف بخصوصه فإنما جاء عن بعض اليهود، كما حكاه ابن إسحاق في السيرة النبوية عن أبي ياسر بن أخطب وغيره أنهم حملوا الحروف في أوائل السور على هذا الحساب، واستقصروا المدة أول ما نزل: (الم)، و (الر)، وقالوا: هذا لا يمكن أ

<<  <  ج: ص:  >  >>