للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإخبار عن اقتراب وقوع الساعة]

وقال الله تبارك وتعالى في سورة النحل: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١].

قال المفسرون: أمر الله هو قيام الساعة، ولما كان ذلك أمراً محققاً لا مرية فيه ولابد أنه واقع لا محالة عبر عنه بصيغة الماضي، فقال: ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ))، وهو لم يأت بعد، ولكن هذه الآية دلت على قرب الساعة لا محالة وأنها واقعة، فعبر عنها بالماضي.

وقال في نفس السورة في الآية ٧٧: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل:٧٧].

قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السماوات والأرض واختصاصه بعلم الغيب, فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه الله تبارك وتعالى على ما يشاء, وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع, وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون, كما قال: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٥٠]، أي: فيكون ما يريد كطرف العين, بل وأسبق من ذلك؛ لأنه إذا قال للشيء: كن كان في لحظة، بل في أقل من طرفة العين.

وقال القرطبي: إن الساعة لما كانت آتية ولابد جعلت من القرب كلمح البصر.

وقيل: المعنى: هو عند الله كذلك لا عند المخلوقين، بدليل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:٦ - ٧]، أي: إنهم يرون وقت وقوع الساعة وقيامها بعيداً، ولكن الله تبارك وتعالى يراها قريبة.

وقال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) في الجزء الثالث (صفحة ٢٩٦): أظهر الأقوال فيها -أي: في هذه الآية- أن الله إذا أراد الإتيان بها فهو قادر على أن يأتي بها في أسرع من لمح البصر؛ لأنه يقول للشيء: (كن) فيكون.

وقال تعالى في سورة طه في الآيتين (١٥ - ١٦): {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:١٥]، ومعنى ذلك: أنه لم يخفها، والمستقر في الأذهان والقلوب عند أهل السنة أن الله قد أخفاها حقاً.

قال الحافظ ابن كثير: ((إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي: قائمة لا محالة وكائنة لابد منها، وأما قوله: ((أَكَادُ أُخْفِيهَا)) قال الضحاك عن ابن عباس: إنه كان يقرؤها هكذا: (أكاد أخفيها من نفسي) , كأن الله تبارك وتعالى يقول: ولو شئت أن أخفيها عن نفسي لفعلت؛ لشدة استئثاره بعلم الغيب فيها، وعدم إطلاعه أحداً من خلقه عليها، ولذلك قال ابن عباس: (أكاد أخفيها من نفسي)؛ لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً.

وفي رواية عنه: لا أطلع عليها أحداً غيري.

وقال السدي: ليس أحد من أهل السماوات والأرض، أي: من الملائكة والرسل والخلق جميعاً- إلا قد أخفى الله عنه علم الساعة.

وثبت غير ذلك بنحوه عن ابن مسعود وقتادة وابن جبير، وغيرهم، حتى جاء في مصحف أبي وابن مسعود: أكاد أخفيها من نفسي، فكيف يعلمها مخلوق؟! وقال تعالى في سورة الأنبياء في الآية الأولى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:١]، وغيرها من الآيات التي تدل على قرب الساعة، وهذه الآيات نزلت على الصحابة، ولا شك أن الصحابة كانوا يظنون أن الساعة يمكن أن تقوم في زمانهم وفي قرنهم، ولذلك لما حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بظهور المسيح الدجال كأنهم يرونه رأي العين، فانزعجوا غاية الانزعاج، وقالوا: (يا رسول الله! فماذا نفعل إذا ظهر؟ قال: إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه) و (إن) هنا للشك، بخلاف (إذا) فهي للتحقيق، قال: (إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه)، أي: أنا له، وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعلم أن المسيح الدجال سيظهر في زمانه أو لا، فكيف بالساعة؟! فقال: (إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه، قالوا: وإن ظهر بعدك يا رسول الله؟! قال: فاقرءوا عليه فواتح سورة الكهف).

قال الله عز وجل: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:١]، والمعنى: قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم، ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، وكل ما هو آت قريب، والموت لا محالة آت، وموت كل إنسان هو قيام ساعته، والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى، أفاده القرطبي في التفسير.

وقال في التذكرة صفحة (٧٠٩): فأما وقتها فلا يعلمه إلا الله.

وقال تعالى في سورة الأنبياء في الآية (٩٧): {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنب

<<  <  ج: ص:  >  >>