للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوصية بالنساء وبيان حقوقهن وواجباتهن في بيت الزوجية]

ثم ينتقل النبي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك إلى موضوع في غاية الأهمية، فيقول: (فاستوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمان الله)، أي: بالعهد والميثاق، (واستحللتم)، أي: صارت هذه الفروج حلالاً لكم بكلمة الله، (كلمة الله) على الراجح من أقوال أهل العلم: قول الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣]، وقيل: هي كلمة التوحيد، وقيل: هي إسلام المرأة؛ لأنها لا تحل لمشرك ولا كافر.

قوله: (ولكم عليهن)، بدأ النبي عليه الصلاة والسلام بحق الرجل أولاً؛ لأن من أعظم قوامة الرجل على المرأة أن تثبت حقوقه أولاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه)، أي: لا تأذن المرأة لأحد محارمها من الرجال والنساء، سواء كان لأبيها لعمها لخالها لابنها من زوجها الأول، أن يدخل بيت زوجها إلا بإذنه الصريح أو الضمني أو المعروف عرفاً، فإن علمت أنه يكره دخول أبيها أو عمها أو خالها أو أخيها أو ابنها فيحرم عليها أن تدخله، إلا أن يأذن أو يحضر، ولماذا يكره الزوج ذلك؟ وهل لو كره الزوج دخول رجل من أهل الإيمان من محارمها من أهل الصيانة والعفة والحرية أن هذه الكراهية معتبرة؟

الجواب

لا، وإنما المعتبر أن يغلو المرء في قطيعة الرحم بين زوجه وبين أهلها.

لذا فإن كثيراً من الشباب إذا عقد قضى مدة العقد على مضض، فإذا بنى بامرأته قال لها في ليلة عرسها: أين أنت الآن؟ تقول: أنا في بيتك، يقول: انظري إلى هذه العتبة، فإنها محرمة عليك أن تخرجي منها إلى أهلك، أو أن يأتي أهلك إليك! والرد عليه إن كان من أهل الإيمان: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:٢٢] فقطيعة الرحم من الإفساد في الأرض، ولا يحل لرجل أن يمنع محارم المرأة من زيارتها، إلا أن يخشى عليها من فساد دينها، فكثير من الناس الآن لا دين له ولا خلق، والمعاصي التي تحدث الآن بين المحارم من زنا وخنا وقتل وغير ذلك لم يكن أهل الجاهلية يسمعون بها، فإذا كان منع الزوج لمحارم الزوجة من هذا الباب فمنعه معتبر، وهنا يحرم على المرأة أن تدخل أحداً من محارمها إلا بإذن الزوج أو علمها أنه يرضى بذلك.

قوله: (فإن فعلن ذلك)، أي: إن خالفن ما يحب الزوج فاضربوهن ضرباً للتأديب غير مبرح، والضرب المبرح هو الضرب الشديد الذي فيه شج رأس وكسر عظم، فلا يبلغ التأديب إلى هذا المبلغ، ولذلك يقول تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:٣٤]، فضرب الزوجة للتأديب مشروع وجائز، والمرأة لابد أن تحرص على إرضاء زوجها، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا صامت المرأة شهرها، وصلت خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)، ودخلت امرأة على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لها: (أذات بعل أنت؟)، أي: ألك زوج؟ (قالت: نعم يا رسول الله، قال: كيف أنت منه؟ قالت: ما آلوه جهدي إلا ما عجزت عنه)، أي: لا أفرط قط في خدمته واسترضائه إلا شيئاً أعجز عنه، قال: (انظري أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك)، لذا فأيما امرأة لها زوج فلتعلم أن بينها وبين الجنة باباً مفتوحاً، فإن شاءت أغلقته وإن شاءت ولجته ودخلت فيه.

ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام في حسن العشرة: (علام يجلد أحدكم امرأته جلد الأمة، فلعله يضاجعها من آخر يومه)، أي: يجلد أحدكم امرأته بالنهار جلد العبد ثم يضاجعها بالليل، فأي خلق وأي دين يأذن بهذا؟! أتى معاوية بن حيدة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله! ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها مما تطعم، وأن تكسوها مما اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح)، أي: لا تقل: قبح الله وجهك، (ولا تهجر إلا في المضجع)، وقالت عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمك، قالت: وأي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها)، ولذلك يقول المولى تبارك وتعالى مقرراً أن الحقوق والواجبات متبادلة بين الزوجين: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨]، ويقول المولى تبارك وتعالى آمراً الرجال بحسن العشرة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (النساء شقائق الرجال).

<<  <  ج: ص:  >  >>