للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوصية بالتمسك بكتاب الله تعالى]

قال: (وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله) كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلو أنك نظرت -يا عبد الله- لمقومات أي أمة من الأمم لوجدت أن هذه الأمة أغنى الأمم بهذه المقومات، لكن لم لا تقوم؟! ولم لا يرجع كل واحد منا التهمة إلى نفسه؟! إن النقد إذا وجه قال المستمع: إنما وجه لغيري، ولو أنه اعتبر نفسه المفرط والمقصر، وكذلك كل واحد في الأمة؛ لتغير الوضع بإذن الله تعالى، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به)، شرطية (لن تضلوا)، لكن لو أننا لم نتمسك لابد وأن نحتار، وأن نتوه في الأرض كما تاهت بنو إسرائيل، وأن نكون أحقر وأسفل أمة، وأن نكون أمة لا خير فيها مع أنها خير أمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]، والذي يؤمن بالله لابد وأن يحيط هذا الإيمان بسياج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك قدمه على الإيمان، مع أن الذي يكفر بالله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا يقبل منه ذلك، قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥]، فقدم الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إثبات خيرية هذه الأمة على الإيمان به، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السياج الذي يحافظ على هذا الإيمان.

وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟! قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إن هذا القرآن هدى الله، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم)، فانظر إلى هذا الحبل الموصول بينك وبين الله، فإذا استمسكت به كنت موصولاً بالله، ولذلك قال: (ما إن تمسكتم به)، وكذلك التمسك بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ففي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذات غداة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي)، أي: فاسمعوا له وأطيعوا، قال: (وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)، أي: وإياكم والبدع، فإن كل بدعة ضلالة، يقول ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)، وأمر الله تعالى بطاعة رسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩]، وقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:٣٢]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، ونفى الله عز وجل الإيمان عمن لم يقبل حكم النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يسلم له ويرضى به فقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

عباد الله! إن الرجوع إلى الكتاب والسنة هو النجاة، وهو المخرج من المأزق، ومن كل بلية نزلت بهذه الأمة في كل زمان ومكان، وقد كان أسلافنا إذا نزلت بهم بلية اجتهدوا في النظر في كتاب الله، بل وفي قراءة البخاري ومسلم، وهذه الأمة الآن إذا نزلت بها بلية كأنها لا تشعر، أذن من طين والأخرى من عجين، وكأنها ليست تابعة لنبيها، وكأن الله تعالى لم يرسل إليها دستوراً لتقيم به حياتها، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، أي: ليس فيه اختلاف، بل كل ائتلاف، وكله خير ومصلحة، وأينما كانت المصلحة فثم شرع الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>