للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حقيقة الملائكة عليهم السلام وذكر وظائفهم والتفاضل بينهم وبين البشر]

الملائكة هم خلق من خلق الله عز وجل، خلقهم الله تبارك وتعالى من نور كما خلق الإنسان من طين من حمأ مسنون، وكما خلق الجان من نار السموم، فمادة خلق الملائكة مادة نورانية، وفطرهم على الطاعة، والعبادة، والصلاة، والتسبيح، والذكر، فهم لا يتعبون، ولا يملون، ولا ييأسون، كما أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتبرزون، ولا يتبولون، قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦]، فالملائكة مجبولون على طاعة الله عز وجل لا تبدر منهم معصية، وكما أن الله تبارك وتعالى اتخذ من البشر رسلاً وأنبياء، كذلك اتخذ رسلاً من الملائكة، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:٧٥]، فمنهم الموكل بالوحي، ومنهم الموكل بالجبال، ومنهم الموكل بالمطر، ومنهم الموكل بالأرزاق، ومنهم الموكل بحضور مجالس العلم، ومنهم الموكل بحمل العرش وغير ذلك من الوظائف التي كلف الله عز وجل بها بعض ملائكته، وجعل بعض الملائكة قائمون في الذكر، والتسبيح، والتهليل وغير ذلك من أنواع العبادات.

ولما خلق الله عز وجل الإنسان فبدرت منه المعصية، فتصور بعض أهل العلم أن الملائكة أفضل من البشر؛ لأن الملائكة جبلوا على الطاعة، وأما بنو آدم فتأتي منهم الطاعة كما تأتي منهم المعصية، فقالوا قياساً: الذي لا يأتي منه إلا الطاعة أفضل من الذي تأتي منه الطاعة والمعصية، ولكن الله عز وجل فضل بني آدم على الملائكة، وهذا الأمر يحتاج إلى تقسيم وتفصيل، فأما الملائكة فهم خير من بني آدم الذين كفروا والذين لا يأتون إلا بالمعاصي، وهذا بإجماع أهل العلم، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، كما أنهم أفضل ممن أسلم، ولكنه لا يعرف للطاعة طريقاً، أما من أتى بطاعة أو معصية فإنه أفضل من الملائكة إذا تجاوز الله تبارك وتعالى عن أخطائه ومعاصيه وأدخله الجنة، فإن الله جعل الملائكة في الجنة يدخلون عليه ويخدمونه ويسلمون عليه، قال تعالى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣]، فمعنى ذلك أن الملائكة خدم في الجنة لبني آدم، مع أن بني آدم أصحاب خطأ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، فابن آدم يأتي بالمعصية ويتوب منها، وفضله الله عز وجل على الملائكة، هذا موقف أهل الإيمان من الملائكة، ولهذا كان المسلم مميزاً بعقيدته بالدرجة الأولى عن أهل الكفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>