للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فوائد المال ومنافعه الدينية]

أما فوائد المال: فهي دينية ودنيوية: فوائد المال الدنيوية يعرفها الناس جميعاً، ولذلك تهالكوا وتهافتوا على تحصيل المال لأجل هذه المنافع الدنيوية، وإشباع الشهوات والرغبات.

وأما منافعه الدينية فتنحصر في ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن ينفقه على نفسه، إما في عبادة كالحج والجهاد؛ لأنه لا حج بغير مال، ولا جهاد كذلك بغير مال، فقد كان الفقراء يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام يطلبون منه أن يحملهم إلى الجهاد، فيقول: لا أجد ما أحملكم عليه، اذهبوا إلى فلان؛ لأنه عنده مال، وهو يستخدمه في حقه بعد أن حصله من حله، فلا جهاد إلا بمال، ولا دفاع عن بيضة الإسلام إلا بتوفر الأسباب والوسائل، ومن أعظمها بعد الإيمان بالله المال.

كما أنه لا حج إلا بمال، وقد شرط الله عز وجل الحج بالاستطاعة، والاستطاعة: هي الزاد والراحلة، كما ورد في الحديث عند أحمد، فمن كان عنده راحلة وزاد يكفيه ويكفي من يخلفه من أهله وعقبه مدة الحج فإن الله قد فرض عليه الحج.

فمن منافع المال الدينية: أن يستغل المرء المال بالإنفاق على نفسه في العبادات كالحج والجهاد، وأيضاً في الاستعانة به على العبادة كالمطعم والملبس والمسكن وغيرها من ضرورات المعيشة، فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر لم يتفرغ القلب لعبادة الله عز وجل، وما لا يمكن العبادة إلا به فإنه كذلك عبادة.

فلو حرصت من الآن على أن تجمع مالاً يكفيك للحج، فلا شك أن سعيك لتحصيل هذا المال بهذه النية هو عبادة لله عز وجل، حتى وإن لم تحج فيكفيك نيتك الصالحة في تحصيل المال لأجل قضاء الفرائض، أو القيام على طاعة الله عز وجل.

والنوع الثاني: ما يدفعه للناس، وهو أربعة أقسام: القسم الأول: الصدقة، فلو سعى لتحصيل المال من أجل أن يتصدق به على عباد الله الفقراء، ويخرج منه الزكاة التي بها يحصل التكافل الاجتماعي بين الفقير والغني في المجتمع كما كان الحال في عهد الخلافة الراشدة، وفي عهد عمر بن عبد العزيز فهذا عبادة.

القسم الثاني: المروءة، وهي: صرف المال إلى الأغنياء والأشراف في ضيافة وهدية وما إلى ذلك، كما في الحديث: (تصدق الليلة على غني تصدق الليلة على زانية تصدق الليلة على سارق).

وهذا يدل على أن صرف المال إلى هؤلاء الأصناف أمر جائز، وإن كان الأولى صرفها إلى من ذكرهم الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠] إلى آخر الآية.

القسم الثالث: وقاية العرض، مثل بذل المال لدفع هجاء الشعراء مثلاً، وقد كان الشعراء يدخلون على الملوك والسلاطين وأصحاب الأموال، فإن أعطوهم رضوا، وإن لم يعطوهم سخطوا عليهم وهجوهم بالشعر في أعراضهم.

والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه).

وفي كل زمان ومكان يوجد أناس تخصصوا في التسول وسؤال الناس وسلب أموالهم ولو بالقوة، وهذا الصنف من الناس يمكن شراء ذممهم وألسنتهم بدفع بعض المال إليهم ذباً عن العرض والنفس؛ حتى لا يهجو الشخص بكلام ساقط، ثم إن هذا الكلام يجد من يلتقطه.

القسم الرابع: ما يعطيه أجراً على الاستخدام، ولا شك أن هذا أمر مطلوب ولازم، فإن المرء له حاجات كثيرة، ولو قام بكل حاجة يحتاج إليها بنفسه وبيده لضاعت الأوقات وفنيت الأعمار دون أن يحصل مراده من كل شيء، فيلجأ إلى قضاء بعض الحاجات عن طريق الغير، ولا بد وأن يكافئ هذا الغير، وخاصة أهل العلم مثلاً، فلو أن رجلاً من أهل العلم له حاجات دنيوية، وإذا أراد قضاءها فلن يتفرغ للدعوة إلى الله عز وجل، فالأولى أن يكون معه مال يستخدم به أناساً آخرين لقضاء حاجاته الدنيوية؛ حتى يتفرغ هو للمهمة الدينية التي لا يقوم بها إلا هو.

النوع الثالث: أن ينفق منه لا إلى جهة معينة وإنما في المصالح العامة كبناء المساجد والقناطر وسائر أنواع الوقوف وغيرها، ولا شك أن هذه فوائد دينية شرعية، والله تبارك وتعالى يأجر صاحب المال على إنفاق المال في هذه الوجوه؛ لأنه حصل المال من حله ووضعه في حقه.

هذه جملة فوائد المال في الدين، ففي اكتسابه الخلاص من ذل السؤال وحقارة الفقر، والعز بين الخلق، والوقار.

<<  <  ج: ص:  >  >>