للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصبر طريق النصر]

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وبعد: فتلك الآيات تدل دلالة واضحة على تلك العقيدة الراسخة في قلوب الموحدين أن النصر في نهاية الأمر لأهل الإيمان، بل كتب الله تعالى نصرهم في الدنيا والآخرة.

وجودكم في هذا المسجد نوع من أنواع النصر، رفعكم لراية الجهاد نوع من أنواع النصر، طلبكم للعلم الشرعي نوع من أنواع النصر، بقاء المفتين والعلماء والمحدثين وأهل الخير من أهل الجود بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله نوع من أنواع النصر، فالنصر باق وقائم في الأمة إلى قيام الساعة، والإسلام قادم وإن رغمت أنوف، فقد بشر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري من حديث خباب بن الأرت: (أصابنا من المشركين شدة ونحن في مكة، فأتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، واحمر وجهه، وكان متكئاً فجلس، ثم قال: إن الرجل فيمن كان قبلكم لينشر بالمناشير حتى يلقى على الأرض نصفين لا يرده ذلك عن دينه شيئاً، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه)، ثم قال: (ولكنكم قوم تستعجلون).

لما مر النبي عليه الصلاة والسلام بآل ياسر وهم يعذبون ويسحقون، لم يقل: لقد هزمنا وانتهى الدين وذهب إلى غير رجعة.

بل قال: (صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة) وهذا أعظم نصر في ذلك الوقت، أن ينتصر المرء على نفسه بالصبر لله عز وجل؛ ليلقى جزاءه في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض، أي نصر بعد هذا؟ بل أنت لماذا تسعى في هذه الحياة وتصبر على هذا الشقاء وتلك الحياة الضنك؟ لأنك تعتقد أن ما عند الله في الآخرة خير لك وأبقى، حياة نعيم أبدية سرمدية.

(يا أهل الجنة! خلود فلا موت) تتحمل هذا الشقاء لأجل تلك الكلمة.

(يا أهل الجنة! خلود فلا موت)، هذا مبتغانا من عبادتنا وعقيدتنا وصبرنا على ما حل بنا من بلاء وأذى.

(ولكنكم قوم تستعجلون) الثمرة قائمة بل هي حاضرة، ونرى والله فروعها وأغصانها يانعة قوية مزهرة مثمرة ولكنكم قوم تستعجلون، ولكن النبي عليه السلام يبين لـ خباب بن الأرت الذي عليه، قال: (إن الرجل كان فيمن كان قبلكم ينشر بالمناشير لا يرده ذلك عن دينه شيئاً)، الثبات على العقيدة هو أعظم نصر لله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>