للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رواية أبي هريرة رضي الله عنه]

وفي رواية أبي هريرة قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم.

فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله)، وهل يتصور أن أحداً دخل الجنة يخرج منها إلى النار؟! من دخل الجنة لا يخرج منها قط، بخلاف النار فإنه يخرج منها مادام موحداً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام وقف مع بعض الناس الذين يعرفهم، فإذا برجل يأخذ بعضهم ويدفعهم عن الحوض، فيقول النبي عليه السلام لهذا الذي أخذ بعض من يعرفهم: (إلى أين؟ قال: إلى النار والله.

قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).

وقال عليه الصلاة والسلام: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على الحوض).

وطبعاً أنتم تعرفون الحديث الموضوع: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) والحقيقة أنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب؛ لأن هذا الكلام قاله وهو حي، وما يدريه عليه الصلاة والسلام أنه سيقبر في هذا المكان، وأنتم تعلمون أنه ما من نبي يموت إلا ويجب دفنه حيث مات، وهذه خاصية من خصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)؛ لأن هناك فرقاً بين القبر والوثن.

فالقبر: أن يقبر المسلم مع المسلمين في المقابر العامة للمسلمين.

أما الوثن: أن يتخذ القبر إلهاً من دون الله.

وهل يتصور أن واحداً يتخذ المقبور إلهاً؟ نعم.

إذ يصرف لهذا المقبور ما لا يجوز صرفه إلا لله؛ فيدعوه ويستغيث به ويذبح له ويؤمن به وغير ذلك من سائر العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله، فيصرفها لهذا المقبور فيكون قد اتخذه إلهاً من دون الله؛ ولذلك قرأ النبي عليه الصلاة والسلام: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] عند دخول عدي بن حاتم بعد أن أسلم، ولكنه كان يلبس الصليب على صدره، فقال عليه الصلاة والسلام: (دع عنك وثن الجاهلية يا عدي)، يعني: ألق هذا الصليب فإنه من أوثان الجاهلية، مع أن الصليب ما هو إلا مجرد قطعة من الخشب أو الحديد أو النحاس أو الفضة أو الذهب أو أي شيء؛ سمي وثناً لأنه صار معبوداً وإلهاً يعبده الناس من دون الله، فتحول من كونه مجرد تمثال إلى كونه إلهاً.

أنتم تعلمون تمثال بوذا، فهو ليس تمثالاً فقط، بل صار إلهاً يعبد من دون الله، إذ يأتيه الوفود والعباد من أقطار الأرض، فيعبدونه في أرض أفغانستان، حتى طار شرره وذاع صيته في الآفاق: أن بوذا يملك النفع والضر، ونحن نعلم أنه لا يملك النفع والضر إلا النافع الضار سبحانه وتعالى.

فلما كان من شأن معتقد الناس في حجر كهذا وجب إزالته وتدميره، خاصة لقوم بذلوا العلم على مدار سنوات طويلة.

الثاني: أنهم مسئولون عن نشر التوحيد ونبذ الشرك في هذه البقعة التي مكنهم الله تعالى منها، فهم ممكنون كرب البيت تماماً، رب البيت إذا أشرك بالله تعالى في بيته فإن هذا الشيء سيكون من مسئوليته، والله تعالى يحاسبه عليه؛ لأنه ممكن: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، فهؤلاء ممكنون وهم على قمة البلاد ويملكون سيادة الأمر فيها.

إذاً: فلم يتركون هذا الشرك في بلادهم؟! فإنهم سيسألون بين يدي الله، فلما قاموا بتدمير هذا الوثن قاموا بأمر مشروع، وواجب عليهم، ولكن المرجفون هنا وهناك خرجوا بشبهات، هذه الشبهات لا تنطلي إلا على الجهال.

الشبهة الأولى: أن عمرو بن العاص لما جاء مصر لم يكسر الأصنام.

نقول: أولاً: لأنها لم تكن معبودة.

ثانياً: لأنها كانت تحت الرمال وليست واضحة ولا بادية، فإن أبا الهول له آلاف السنين، لكن لم ينقبوا ويبحثوا عنه إلا قبل (٢٠٠) سنة، لذلك لم تكن يسمع الناس عن أبي الهول.

فمن هو أبو الهول؟ أهو شخص أو حيوان أو هو طائر أم ماذا؟ لا أحد يعرف شيئاً عنه، ومع هذا تجد أناساً يعبدونه، لأنهم ليسوا أحسن حظاً ولا عقلاً منه، فهو حجر لا يضر ولا ينفع.

وقيل: إن عمرو بن العاص رضي الله عنه أمر بالتنقيب عنه وتكسيره، فذكرت كتب التاريخ أن محاولات عدة على مدار عدة أشهر بذلت في تحطيمه فلم يكسروا منه إلا قطعة في أنفه لا تزال تعالج إلى الآن.

معنى ذلك أن تكسير هذه الأصنام يحتاج إلى مجهود ضخم جداً، فصرف إمكانية الدولة الضعيفة في ذلك الوقت في تكسير حجر لا خطورة منه؛ لأنه لا يعبد ولم يسمع عنه أحد، ولم يكن في تلك الأيام منطقة اسمها الجيزة، بل القاهرة كلها كانت عبارة عن مصر القديمة والمنيل حيث الحصن.

أما الموطن الذي اتخذه لنفسه عمرو بن العاص كان في مقابلة هذا الحصن في مصر القديمة، فالقاهرة كلها عبارة عن منطقة ضيقة بسيطة، ولم يثبت أن هذا المكان الآهل بالسكان كان فيه صنم وتركه عمرو بن العاص، فكيف يترك الرومان في وسط ال

<<  <  ج: ص:  >  >>