للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف اليهود من الكتب السماوية]

أما موقفهم من الأنبياء والكتب التي أنزلت على الأنبياء فهو في غاية الخزي والعار والشنار، الله تبارك وتعالى بين أنهم يبدلون كلام الله بأيديهم ويحرفونه عن مواضعه، يأخذون الأقلام والأحبار، ويأتون بالصحف فيكتبون كلاماً من عند أنفسهم، ثم ينسبونه لله عز وجل، أي جرم هذا؟! إن الله تعالى بعد أن بين فظائع اليهود وجه الخطاب للمسلمين فقال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:٧٥] وحتى قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:٧٨] والأمنية التلاوة، كما أن الأمنية تكون بالقلب فكذلك الأمنية تكون بالتلاوة، كما في قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج:٥٢] معنى الأمنية هنا: التلاوة، فيكون التقدير: وما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله على أمته، فحينئذ يلقي الشيطان بكلام من عنده في أثناء تلاوة النبي كلام الله حتى إذا سمعه المشركون ظنوا أن كلام الشيطان هو كلام النبي، وليس الأمر كذلك، ولذلك ينسخ الله أي: يبطل الله تبارك وتعالى كلام الشيطان، ثم يحكم الله تعالى آياته التي أوحى بها إلى ذلك النبي.

فلما كانوا يبدلون ويحرفون قال الله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة:٧٨ - ٧٩] شهادة وافتراء على الله عز وجل {ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:٧٩] اللام هنا للتعليل، أي: لأجل أن يشتروا بهذا الكلام ثمناً قليلاً، وهذا يدل على نفسية اليهود المحطمة، وأنهم يسعون ويلهثون خلف المادة لهث الكلاب، حتى وإن كان ذلك على حساب الوحي، {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:٧٩] أي: مما اكتسبوه من مال ومتاع قليل؛ بسبب تحريفهم وتبديلهم لكلام الله عز وجل إلى غير ذلك من الآيات التي قضت بأن الكتاب الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو الكتاب المهيمن والقاضي والمسيطر على جميع الكتب السابقة، ولذلك كان اليهود يستنجدون بالنبي عليه الصلاة والسلام على أعدائهم من المشركين والكفار، فلما عرفوه كفروا به، وهكذا أخلاق اليهود مراوغة، ومحايلة، ومداهنة، وكذب وافتراء، وإنهم والله إن ماتوا على ذلك فإنهم حطب جهنم هم لها واردون، وكذلك النصارى وسائر ملل الكفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>