للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جوامع العشرة]

وجوامع العشرة قول ابن الحسن الوراق وقد سأل أبا عثمان عن الصحبة، قال: هي مع الله تعالى بالأدب، أي: حسن الصحبة مع الله عز وجل أن تتأدب معه عز وجل وتعرف ما له عليك.

ومع الرسول عليه الصلاة السلام بملازمة العلم واتباع السنة.

وأنت إذا نظرت إلى الصحبة مع الله عز وجل تجد الكثير جداً من الأمة لا يحسنون صحبة الله عز وجل؛ لأن الكل يسخر بالله وبأسمائه وصفاته وكتابه وأنبيائه ورسله، ويكتبون سخريتهم على صفحات الجرائد والمجلات، ويسخرون أيضاً بأهل العلم والفضل، وحسبنا أن الكلمة النافعة تمكث في الأرض وتبقى ويكون لها الجذور، وينتفع بها من وفقه الله عز وجل للخير، ولذلك قال الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:١٧]، وقد ضرب الله عز وجل للكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة مثلاً بالشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة، فهذه تثمر وتورق، ويعم خيرها بخلاف الأخرى، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للمسلم بالشجرة الطيبة، فقال: إن مثل المسلم مثل شجرة، فضرب الناس في أشجار البوادي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما هي؟ قال عبد الله بن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة -لأنها تثمر رطباً وبلحاً، وتغذي أصحابها وطالبيها-، ولكن منعه أن يتكلم صغر سنه، فلما أخبر بذلك أباه، قال: لو كنت قلتها لكانت أحب إلي من الدنيا وما فيها.

فالمرء يحب لولده الخير أكثر مما يحبه لنفسه.

ولو نظرنا إلى التأدب مع الله عز وجل في هذا الزمان لوجدنا أمراً عجباً جداً، والأعجب منه أنه يسب الله تعالى، ويسب كلامه ويعترض على الله عز وجل في كل آية، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديث، ويدعي من يفعل ذلك أنه مسلم، وهذا أمر محير؛ إذ كيف يكون مسلماً وهو يرد على الله عز وجل معظم كلامه، ولا يتعامل مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا من منطلق ضحالة عقله، فما وافق العقل أخذه وما خالفه رده؟ فهو ينسب العيب لدين الله عز وجل ولشرعه ولا ينسبه لنفسه أبداً، فكيف يكون هذا إيمان ودين؟! فالأدب مع الله في هذا الزمان قليل، بل هو أقل من القليل، فكل يوم يظهر شخص يسب النبي صلى الله عليه وسلم، ويسب الله عز وجل ويسب الدين، وفي هذا الوقت أصبح سب الإله بين أطفال المسلمين مثل مضغ اللبانة، وحتى في مجتمعات الكفر لا تجد سب الدين إلا من المسلمين أيضاً، وحتى الكفار أنفسهم لا يسبون الدين، ولم يعهد ذلك إلا في بلاد المسلمين وخاصة في مصر.

فحسن الصحبة مع الله عز وجل هي بالتأدب معه عز وجل، والتأدب مع كلامه، ومع أسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى.

والتأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام بملازمة العلم واتباع السنة، والخطاب بالسنة إذا كنت طالب علم.

ومع الأولياء بالاحترام والخدمة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، يعني: من آذى ولياً من أولياء الله عز وجل فبدلاً من أن تكون الحرب بينه وبين ذلك الولي تنتقل مباشرة إلى حرب بين الله تعالى وبين هذا الذي آذى عباد الله وأولياءه، ومن يطيق محاربة الله له؟ فالخلق بأسرهم أضعف من أن يدخلوا مع الله عز وجل في كيد أو في حرب.

وكذلك مع الإخوان بالبشر والانبساط وترك وجوه الإنكار عليهم، أي: ترك الإنكار عليهم في كل صغيرة وكبيرة، إنما تنكر عليهم ما لا يسعك السكوت عنه، ولم يكن فيه خرق شريعة أو هتك حرمة، كما قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف:١٩٩].

والصحبة مع الجهال بالنظر إليهم بعين الرحمة، فالجاهل إذا وقع في معصية بجهله فإنه يحتاج إلى صبر، والكلام هذا يلزمنا نحن أكثر مما يلزم العوام؛ لأننا نقابل هؤلاء الجهال، وهم لا علم لهم، بل ولا خلاق لهم، فمثلاً الرجل الذي دخل المسجد فبال فيه، لو تصورنا أن شخصاً جاء الآن وبال على جدار المسجد من الخارج من جهة الشارع فإننا سنقوم عليه قومة رجل واحد، فإما أن ينجو إن قدر على الهرب وإما أن يهلك، وكل واحد سيجد لفعله مسوغاً بأنه بال على بيت من بيوت الله، وهناك من سيقول له: يا كافر! وآخر سيقول له: يا فاسق! وثالث سيقول له: يا جاهل! فالرجل دخل المسجد فبال فيه قائماً، والصحابة فعلوا مثل ما كنا سنفعل نحن بالضبط، فقد قاموا عليه قومة رجل واحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه)، أي: لا أحد يفزعه، والرجل واقف يبول ولم يمنعه حتى الحياء، وبعد أن فرغ من بوله أتى وسأل: أين محمد؟ وهذه جلافة وسقطة ثانية، قال: ها أناذا، قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً.

وهذه سقطة ثالثة، والنبي صلى الله عليه وسلم رد على هذه فقط، فقال: (لقد حجرت واسعاً).

فرحمة ربنا وسعت كل شيء، فالناس الذين آمنوا أين ستأتي بهم؟ يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: والحكمة النبوية اقتضت هذا؛ فلو أنهم قاموا وأزرموه وفجع

<<  <  ج: ص:  >  >>