للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الدليل الخامس]

الآية الخامسة: وهي قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك:١٦]، والذي في السماء كما صح من تفسير ابن عباس حبر الأمة أنه الله عز وجل، فلولا أن منَّ الله علينا لخسف بنا.

وقال شيخ المفسرين الإمام الطبري عليه رحمة الله في قوله عز وجل {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]: هو الله.

ونقل أبو الفرج بن الجوزي عليه رحمة الله في قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك:١٦] عن حبر الأمة ابن عباس كذلك أنه قال: أأمنتم عذاب من في السماء وهو الله عز وجل.

وكذلك قرن الحافظ ابن كثير في تفسيره بين هذه الآية وقوله تعالى: {أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الإسراء:٦٨]، وهذا القول في إسناد الخسف إلى الله عز وجل، وعن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] قال: هو الله عز وجل، فإذا أتاك التفسير من جهة ابن عباس ومن جهة مجاهد فكفى بهما، ومجاهد أخذ التفسير عدة مرات عن ابن عباس.

وقال القرطبي عليه رحمة الله: قال ابن عباس: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، أي: أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه، ولا شك أن الذي ينسب إليه العصيان هو العبد، والعصيان لا يكون إلا لله عز وجل، فلا يتصور أن يقصد بالذي في السماء أنه جبريل، أو أنهم الملائكة.

قالوا: لو سلمنا بأن الله بالسماء، لوقعنا في التشبيه؛ لأن الله يصبح محوياً والسماء حاوية له، وهذا لا يجوز؛ لأن الله لا يحيط به مخلوق، ف

الجواب

أن هذا جهل فاضح، فعلو الله عز وجل لا يستلزم أنه في حيز، ولا أنه محدود، ولا أن شيئاً من خلقه لا الكرسي، ولا العرش، ولا جميع الخلق يحيطون بالله عز وجل، فلما كان العرش فوق السماوات قال الله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] وحرف الجر (في) س هنا بمعنى (على)، أي: أأمنتم من على السماء؟ فقول فرعون لمن عصاه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١] والمعنى: ولأصلبنكم على جذوع النخل؛ لأنه لا يتصور أن يصلب هؤلاء في أصل النخل، وفي جذوع النخل من الداخل وإنما يكون ذلك بالصلب على جذوع النخل.

وقول الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:٢]، ليس المعنى فسيحوا في بطن الأرض، وإنما هو فسيحوا على الأرض، و (في) هنا تفيد العلو ولا تفيد الظرفية.

وقال ابن أبي العز الحنفي: التصريح بأن الله تعالى في السماء، وهذا عند المفسرين من أهل السنة على أحد الوجهين: إما أن تكون (في) بمعنى (على)، ويراد بها العلو، وهذا هو المعنى الراجح من المعنيين، لا يختلفون في ذلك ولا يجوز الحمل على غيره.

ويقول الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي: والمراد بالسماء هنا ما فوق العرش؛ لأن ما علا يقال له: السماء.

وفي (لمعة الاعتقاد) لـ ابن قدامة قال: المعنى الصحيح لكون الله تعالى في السماء أن الله تعالى على السماء، فـ (في) بمعنى (على)، وليست للظرفية؛ لأن السماء لا تحيط بالله، أو أنه في العلو، فالسماء بمعنى العلو، وليس المراد بها السماء المبنية، فالمراد بالسماء هنا الفوقية والعلو.

وابن تيمية عليه رحمة الله تعالى يقول: والسماء في قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] اسم جنس العالي، لا يخص شيئاً بعينه، فقوله: (في السماء)، أي: في العلوي دون السفلي، وهو العلي الأعلى، فله أعلى العلو وهو ما فوق العرش.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كذلك في (الفتاوى) قوله: من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره، وضال إن اعتقده في ربه، وما سمعنا أحداً يفهمه من اللفظ، ولا رأينا واحداً نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين: هل يفهمون من قول الله ورسوله أن السماء تحوي الله لبادر كل أحد منهم إلى إنكاره، وقالوا: هذا شيء لم يخطر ببالنا، وإذا كان الأمر هكذا فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئاً محالاً لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله، بل عند المسلمين أن الله في السماء، وأنه على العرش واحد، إذ السماء إنما يراد بها العلو، فالمعنى أن الله في العلو لا في السفل.

إذاً: المقصود أن الله تعالى في السماء ليس في ذات السماء المبنية وإنما في جهة العلو.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لو أثبتنا أن الله في السماء لقلنا بتحيزه، وهذا لا يجوز، إن أراد

<<  <  ج: ص:  >  >>