للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التشريع وأثره في حل المشاكل والأزمات]

ولذلك في هذا الزمان وما نراه من تأخر المسلمين وتسلط الكافرين عليهم في كل الميادين؛ اختلفت أنظار الناس في وصف حال المسلمين، فمنهم من قال: إن السبب هو أزمة المواصلات، ومنهم من قال: بل السبب أزمة اقتصادية، أزمة اجتماعية، أزمة شعبية، كثرة في العدد، وتسمع من حثالة العقول أزمات مفتعلة مفتراة، ثم هم لا يتحدثون عن الأزمة الحقيقية، أزمة الإيمان، ورفع الإيمان والأمانة من كثير من القلوب، لا يتحدثون عن هذا ولا يتحدثون عن تمتين الصلة بالله عز وجل، لا يتحدثون عن لزوم الطاعة لله تبارك وتعالى وتحري مرضاته في كل قول وفعل وعمل، لا يتحدثون عن هذا، وإنما يفترون أزمات مفتعلة، ولو سلمنا أن هذه أزمات موجودة في الأمة لقلنا: إن حلها قد وجد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أو لا يفقهون، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له).

هذا الحديث الواحد يحل أزمتين من أزمات المسلمين بل من أزمات الخلق أجمعين، فلو أن الغني فاض بماله على الفقير، ولو أن الراكب تصدق بمقعد على الواقف في الطريق الذي ينتظر المواصلات لحلت أزمة الفقر ولحلت أزمة المواصلات، تجد الأمم في الصباح يقفون على الطرق وفي الشوارع لانتظار المواصلات، وفي الوقت الذي تجد فيه أن باصاً قد حمل فوق طاقته عشرات المرات وأن الذي يقف على باب الباص يعادل ما يملأ باصاً آخر، في الوقت الذي تجد فيه أصحاب السيارات الفارهة ليس فيها إلا واحداً فقط، فما الذي يمنع هذا إن كان مسلماً أن يحمل معه من وقف على قارعة الطريق إلى العمل، ما الذي يمنعه؟! إن الذي يمنعه قلة إيمانه، ولو أنه كان مؤمناً حقاً وعلم بهذا الحديث لا بد وأن يعمل به، إن الرجل يبيت متخماً من كثرة الطعام، وجاره يتلوى من الجوع وهو لا يفكر فيه، أهذا خلق من أخلاق الإسلام؟! أهذا إيمان بالله ورسوله؟ وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام إذا طبخ أحدنا مرقة فيُكثر ماءها ويتعاهد جيرانه، ولا يبيت الرجل المؤمن شبعان وجاره جائع، هذا خلق الإسلام، إننا نقول: إن فلاناً لا يجد لقمة العيش، لماذا؟ لتفريط الغني في حقه، أزمات كلها مفتعلة، ولذلك لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن معظم الأمراض مصدرها البطن قال: (ما ملأ ابن آدم وعاءً قط شراً من بطنه) ولذلك حتى الأطباء يقولون: إن معظم الأمراض مصدرها البطن.

وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم وجعل لنا الحجاب الواقي من هذه الأمراض فقال: (اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: البراز في موارد الناس وفي ظلهم وفي طريقهم).

فقوله: (اتقوا الملاعن): أي: التي تجلب اللعنة وتسببها، وموارد الناس: هي مواردهم المائية، ولو أنك نظرت الآن -ونحن في بلد النيل- لوجدت بلداً يحوطه الماء من كل جانب ولكن هذا الماء ملوث.

لأننا -قبل غيرنا من اليهود والنصارى في بلاد أوروبا- مددنا الأنابيب التي تدفع الفضلات في عرض البحر وفي وسطه فتلوث الماء كله فنتج عنه أمراض لم نسمع بها في الأمم السابقة، أليس هذا الحديث علاجاً واقياً من وقوع الأمراض، ولو أننا عملنا بهذا الحديث فقط فلا نحتاج بعد ذلك إلى وزارة الصحة أو غيرها، إن كل بلية نزلت بالمسلمين حلها في نصٍ أو في شطر نص من كتاب الله عز وجل أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إن الإسلام قد احتاج من أبنائه الآن ما احتاجه منهم أولاً، فلماذا تمكن الإسلام ومكن المسلمون من إقامته على وجه الأرض قديماً ولم نتمكن منه نحن، بل نحن الآن نحتضر، لماذا هذه الهوة الواسعة بيننا وبين السلف، أتظن أنهم كانوا أكثر منا عددا؟ أتظن أنهم كانوا أكثر منا مالا؟ أتظن أنهم كانوا أو كانوا أو كانوا؟

الجواب

لا، فلو نظرنا إلى العدد لوجدنا أنهم بالنسبة لنا قلة قليلة جداً، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟)؛ لأن هذا الأمر لم يكن في زمن النبوة، بل ولا في زمن الخلافة، ولذلك سأل الصحابة عنه؛ لأنهم لم يروه في زمانهم، فقالوا: (أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

نحن اليوم كذلك فعلاً نحب الدنيا ونكره الموت؛ لأنه لا عمل صالح لنا يؤهلنا للقدوم على الله عز وجل، إن الله تبارك وتعالى سيسألك عن هذا الدين، ولذلك في حديث معقل بن يسار الذي أخرجه مسلم: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت حين يموت وهو غاش لها إلا أدخله الله النار وحرم عليه الجنة).

كل منا راع ولكن كل واحد منا فرط في رعيته، فرط فيما أمره الله تبارك وتعالى به، ولذلك -أيها الإخوة ا

<<  <  ج: ص:  >  >>