للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصح نوح عليه السلام لقومه]

فمن فضل الله ورحمته بالخلق أن أرسل إليهم الرسل، فأول رسول أرسله هو نوح عليه الصلاة والسلام، فإن آدم كان نبياً، ومن بعده أرسل نوحاً رسولاً، فإنه مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم بشتى الوسائل والطرق والسبل، ولكن الله تعالى ما أراد لهم إرادة كونية الهداية والنور؛ لأنهم ثبتوا على كفرهم رغم أن نوحاً بذل النصيحة لهم أيما بذل، ولكنهم كذبوا وأعرضوا بل رموه بالضلال، فقال نوح عليه السلام: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٦١ - ٦٢]، وخص الله تبارك وتعالى في كتابه سورة كاملة لما كان من قوم نوح مع نبيهم ورسولهم، فقال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:١ - ٣].

وهذه مهمة الخلق {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:٣ - ٤] قال نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:٦ - ٧] أي: وضعوها على أعينهم حتى لا يروا ولا يسمعوا كلامه، {وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:٧ - ٩].

أي: حتى لقنهم ما يقولون، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:١٠ - ١٤].

ثم ظل نوح على مدار السورة وغيرها يذكرهم بنعم الله وآلائه عليهم ولكنهم أعرضوا وكذبوا حتى مل منهم ولم يألفهم فقال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:٢٦ - ٢٧]، وفي سورة هود يقول نوح عليه السلام: {وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود:٣٤].

فانظروا إلى هذا النبي العظيم ما ترك النصيحة بالليل والنهار ولا سراً ولا علانية إلا وقد بذلها خير البذل لأمته؛ ولكنهم أعرضوا وتنكبوا الطريق فاستحقوا العذاب من الله تبارك وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>