للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حصر العبادة والاستعانة بالله عز وجل]

ولذلك حصر الله تبارك وتعالى عبادته والاستعانة والاستعاذة به فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] قدم التحذير قبل الفعل، ولو قدم الفعل على التحذير لاحتمل غيره، ولم يقل: نستعين إياك، وإنما قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] أي: لا نعبد إلا أنت، ليس معك معبود آخر ولا نستعين إلا بك، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].

فهذا أسلوب حصر قد حصر العبادة لله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥]، لأنك إذا قلت: نعبد إياك لجاز أن تقول: نعبد إياك وغيرك، لماذا؟ لأن هذا السياق لا يدل على الحصر، وإنما يدل على الاستيعاب، وهو قابل لأن يستوعب أشياء أخرى ومعبودات أخر، ولكن هذا السياق: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] معناه: ليس هناك معبود بحق إلا أنت، ولذلك لا نعبد إلا أنت، وكذلك لن نستعين إلا بك، فكذلك قد حصر الله عز وجل في هذه الآية الاستعانة به فقال: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]، ولو قال: ونستعين بك لجاز أن تقول: نستعين بالله وبغيره، ولذلك فإن تقديم لفظ: (إِيَّاكَ) يدل على الحصر، فإن الله تبارك وتعالى هو الذي يستعان به ويلجأ إليه ويتضرع إليه، ويعاذ به، وهو الذي يعبد دون غيره من المخلوقات.

هذا بالنسبة لبعض النماذج التي وردت في القرآن الكريم، وإلا فالقرآن كله يدل على توحيد الله عز وجل، كل آية في كتاب الله تدل على توحيده تبارك وتعالى، وأنه الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٣ - ٤]، ولذلك قال الكفار لنبينا عليه السلام، انسب لنا ربك؟ من هو؟ ابن من؟ زوجته من هي؟ أولاده من هم؟ انسب لنا ربك؟ تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فأنزل الله عز وجل على نبيه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤]، فهو منزه عن الزوجة والولد، متفرد بالوحدانية سبحانه وتعالى، ليس هناك إله حق إلا هو سبحانه وتعالى، ليس له زوجة، وهو غير مولود وليس له ولد: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>