للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجيب عنه: بأن الأدلة العقلية والسمعية دلَّت على أن أحكام الله تعالى مُعَلَّلَةً بالحِكَم والمصالح، وما اسْتُدِلَّ به من أن عِلِّيَّة العِلَّة غير مُعَلَّلَةٍ فيه نظرٌ من وجهين:

الأول: أن عِلِّيَّة العِلَّة ليست مما نحن فيه.

والثاني: أنها من الأمور الاعتبارية التي لا تُعَلَّلَ، وعلى تسليم أن منها ما لا يُعَلَّل فالغالب فيها التعليل، وحينئذٍ يكون احتمال كون هذا الحُكْم غير مُعْلَّلٍ مرجوحاً لا ينافي غَلَبَة الظن.

وأما احتمال أن هناك وصفاً آخر فلا يكون الحصر فيما ذُكِر صحيحاً فلا يمنع غَلَبَة الظن؛ لأن الحاصر إن كان ناظراً فحصره فيما ذكره إنما كان بحسب ما أدَّى إليه نظره واجتهاده فيجب عليه أن يعمل به ولا يكابر نفسه، وإن كان مناظراً وهو عدلٌ فيه أهلية النظر فيكفي أن يقول: بحثتُ فلم أجد غيرَ هذه الأوصاف، والأصلُ عدمُ ما سواها، فيندفع عنه منعُ الحصر، ويلزمُ المعترِضَ قبولُه، ويكون حُجَّةً عليه، فإن أبدى المعترِض وصفاً آخر لم يذكره المُسْتَدِل وجب على المُسْتَدِل إبطاله وإلا انقطع (١).

المذهب الثاني: أنه حُجَّةٌ للمُسْتَدِل وهو الناظِر، وليس حُجَّةً على المعترِض وهو المناظِر.

وقد ذهب إلى ذلك الآمدي (٢).

ودليله: أن ظنَّ الشخص لا يقوم حُجَّةً على خصمه، والمناظرة لا معنى لها إلا إظهار مأخذ الحُكْم، فلا يكون هذا النوع من التقسيم حُجَّةً إلا للمُسْتَدِل دون المعترِض (٣).


(١) ينظر: المراجع السابقة.
(٢) ينظر: الإحكام (٣/ ٣٣٣ - ٣٣٥).
(٣) ينظر: الإحكام للآمدي (٣/ ٣٣٣ - ٣٣٥)، البحر المحيط للزركشي (٧/ ٢٨٦)، شرح المحلي على جمع الجوامع (٢/ ٢٧١)، إرشاد الفحول (٢/ ٦٢٤).

<<  <   >  >>