للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زاد المسافر في محبة الله تعالى]

إن المسافر وهو يرحل إلى ربه جل في علاه قد امتلأ قلبه بمحبة ربه, فهو ليل نهار يقول: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك, فيتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ لينال بذلك درجة المحبوبية التي إذا وصل إليها العبد لا يسقط منها أبدا، وإن عصى أو أذنب فإن الله يلهمه التوبة بعد التوبة، حتى يرتقي إلى منازل النبيين والمرسلين, ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه -كما في الصحيحين- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ولئن سألني لأعطينه, ولأن استعاذني لأعيذنه).

وانظر إلى عظم المنزلة فإن جبار السماوات والأرض يتردد في قبض روح عبده، وهذه صفة جليلة تليق بجماله وكماله, فالرب الجليل يرتدد لقبض روح المؤمن المسافر الذي رحل إلى ربه بكيانه كله, والذي تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فقال: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي لقبض روح المؤمن, يكره الموت وأكره مساءته) يا لله ما أعظمها من منزلة وما أكرمها من درجة! إن المسافر وهو في شوقه إلى ربه على الديمومة , قد أحب لقاء الله, فأحب الله لقاءه, وقد اهتز عرش الرحمن لمن أحب الله لقاءه, فقد ورد في الآثار -ويتسامح في الأسانيد- أن عرش الرحمن اهتز فرحاً لقدوم سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه, تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض وأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، أحبت المخلوقات لقاءه, فالعرش العظيم اهتز فرحاً بقدومه رضي الله عنه وأرضاه.

كيف لا وقد خير أعظم المسافرين صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة, فاختار جوار ربه صلوات الله وسلامه عليه, وقال: اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى! وكان معاذ رضي الله عنه وأرضاه في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم اخنق خنقك فإنك تعلم أني أحبك.

اللهم ارزقنا الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

أيها المسافر الكريم: اعلم أن الطريق شاق وطويل، فاستعد للرحيل، وهيئ الزاد، واستعن بالكريم الجليل، تفز بالعيش الهنيء وتشرب من السلسبيل, فتقطع بعون الله جل وعلا المسافات، ثم تفز بعد ذلك بالجنات.

<<  <  ج: ص:  >  >>