للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نشأته]

نشأ شيخ الإسلام تقياً نقياً ورعاً زاهداً ناسكاً عابداً صوّاماً قواماً، ذاكراً لله تعالى، وقافاً عند حدود الله جل في علاه، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، له همة كبيرة كالجبال، نفسه لا تشبع من العلم ولا تروى من المطالعة، لا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث، فقد ظهرت عليه النجابة منذ صغره، فكان ذكياً فطناً سريع الحفظ، وقد اشتهر أمره وذاع صيته حتى سمع به شيخ من حلب وهو ما زال في طفولته، فجاء يسأل عنه يهتبل الفرصة فلما قابله أراد اختبار حفظه ومعه لوح كبير، فقال: يا بني! هات هذا اللوح وامسح ما به، ثم أملى عليه بعض الأحاديث فقرأها مرة واحدة، ثم رد عليه اللوح فقال: هل تستطيع أن تقرأ عليّ هذه الأحاديث؟ فقرأها عليه من حفظه فانبهر الشيخ! فقال: امسح يا بني هذا، فانتخب بعض الأسانيد فكتبها له، ثم قال: اطلع على هذه الأسانيد، وأعطاه اللوح فرددها عليه من حفظه، فقال الشيخ بعدما انبهر من سرعة حفظه، ومادحاً مكانة هذا الصبي، قال: هذا الصبي ليكونن له شأن عظيم، فإنه لم يُرَ مثله، وقد كان، ثم فاق شيخ الإسلام أقرانه في الحفظ وسعة الاطلاع وكثرة الاشتغال حتى أفتى ولم يبلغ العشرين من عمره، ثم شرع في التجميع والتأليف حتى صار إماماً لا يشق غباره في كل شيء، فإذا سئل عن فنٍ ما ظن السامع بعد الإجابة أنه لا يحسن غير هذا الفن؛ من شدة إتقانه لهذه العلوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>