للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السعي بين الصفا والمروة]

ثم يذهب قاصداً الصفا والمروة فيصعد على الصفا، وحدود الصفا تبدأ من خط العربات، فهو أول حدود الصفا، فيبدأ الشوط من عنده، لكن الأكمل أن يصعد وينظر، فيتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨] ويبدأ من الصفا، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابدءوا بما بدأ الله به) ثم يستقبل الكعبة في المكان الذي يراها منه -إن يسر الله له ذلك- فينظر إلى الكعبة ويكبر ثلاث تكبيرات: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ويقول هذا بقلب متصل بالله جل وعلا متدبر لهذا الذكر، وينظر إلى الكعبة رافعاً يديه ثم يدعو طويلاً، وقد ورد ذلك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا ورد عن جابر في سنن ابن ماجة بسند صحيح أنه قال هذا الذكر، وبعض الناس لا يهتم بهذا، وإنما همه أن يكمل الأشواط، فتراه ينهي السعي بين الصفا والمروة في ثلاث دقائق، فيجب على المسلم أن يعلم أنه لم يأت إلى هذا المكان، ولم ينفق هذه النفقة إلا ليرتقي عند الله جل وعلا، وليعلم أن هذه هي المواطن التي يستجيب الله فيها له، فليقطع المسلم أنفاسه في ساعات قليلة وهو يدعو الله، ويطمع في الكريم، فيدعو الله بخيري الدنيا والآخرة، فإن الله له خزائن السماوات والأرض، ثم بعد ذلك يأتي إلى الجسر مرة ثانية، ثم يدعو طويلاً، ثم يأتي إلى الجسر مرة ثالثة ويدعو، ثم يمضي إلى المروة، وأثناء ذلك عليه بالذكر والاستغفار والدعاء وتلاوة آيات القرآن، فإذا وصل إلى الخط الأخضر أسرع أسراعاً شديداً.

بدون أن يؤذي الناس، هذا بالنسبة للرجال، أما النساء فلا يسرعن وإنما يمشين المشي المعتاد، فالصحيح الراجح أن المرأة تخالف الرجل فليس لها الإسراع، أما الرجل فإنه يسرع حتى يصل إلى الخط الأخضر الثاني، ثم يمشي مشيه المعتاد، فإذا وصل إلى المروة وقف عليها، لكنه لا يقرأ الآية التي قرأها في الصفا، وكذلك في الشوط الثاني أيضاً لا يقرأ هذه الآية، فهي تقرأ في الشوط الأول فقط.

فيسعى سبعة أشواط على هذه الكيفية بين الصفا والمروة، يبدأ من الصفا، وينتهي من الشوط السابع في المروة، ثم يقصر الرجل من شعره، والأفضل الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم ارحم المحلقين، اللهم ارحم المحلقين، اللهم ارحم المحلقين)، لكن لأن المصالح تتعاظم، فإن القاعدة عند العلماء تقضي بأن نترك المساحة الصغرى للمساحة الأكبر، والمساحة الأكبر أنك تبقى الحلق إلى يوم النحر، فيقصر المرء من شعره على المروة، ويكون بذلك قد تحلل بفضل الله جل وعلا من عمرته، فيبقى في مكة متحللاً، فيجوز له مس الطيب، ومجامعة النساء، وكل شيء حرم عليه حال الإحرام، حتى اليوم الثامن فيهل بالحج.

والتقصير هذا لابد أن يعم كل الرأس؛ لأن الله جل وعلا قال: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:٢٧] فرءوس هنا مضاف، وإذا أضيفت عمت كل جزء منها، فلا يصح أن يأخذ من بعض شعره، أو أن يأخذ من هنا وهنا، ولا يعمم التقصير في كل الرأس، ومن فعل ذلك فربما لا يزال محرماً فليرجع وليلبس ثياب الإحرام ويقصر رأسه كله.

أما بالنسبة للمرأة فإنا لا تقصر رأسها أمام الناس، وإنما تصبر إلى أن تذهب إلى بيتها، أو إلى المقر الذي تجلس فيه في مكة، ثم تقصر هناك، وهذا من باب التقوى والورع، فتأخذ شعرها وتجعله في قبضة يديها، ثم تأخذ منه قدر أنملة، أي: قدر الأصبع، فبذلك تكون بفضل الله تعالى قد تحللت وتمت عمرتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>