للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبيت بمزدلفة]

ثم تبقى هناك طوال النهار، ولا يجوز لك أن تدفع قبل الغروب، (فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحين حتى يسقط حاجب الشمس) أي: حتى تغرب الشمس، فتدفع وعليك السكينة والوقار من عرفة إلى مزدلفة، وأثناء الطريق تستغفر الله، وتذكره كثيراً، حتى تصلي المغرب والعشاء في مزدلفة، وهذا هو الأولى لك؛ لأن هذه هي السنة، فقد ورد في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فغسل وجهه، أو استنشق وتوضأ وضوء سريعاً، فقال له أسامة: يا رسول الله! الصلاة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: الصلاة أمانة) يعني: الصلاة في مزدلفة، فالسنة أن تصلي في مزدلفة قدر الإمكان، لكن إذا تأخرت ولم تستطع أن تصلي في مزدلفة إلا بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً -لأن بعض العلماء قالوا: إن وقت العشاء ممتد إلى نصف الليل فقط- ففي هذه الحالة صلي في الطريق أولى لك، وقد كنت أقول: إن الصحيح أن تصلي المغرب والعشاء في مزدلفة ثم لا تصل شيئاً بعد ذلك حتى الوتر، والدليل على ذلك أن جابراً رضي الله عنه وأرضاه -أحرص الناس على حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأروى الناس لحديث النبي صلى الله عليه وسلم- قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء وترحل -يعني: صلى المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ثم نام، قال: واضطجع إلى الفجر)، فقد سكت عن الوتر، ولو فعله لنقل جابر ذلك، وفي هذا دلالة قوية على عدم الصلاة بعد المغرب والعشاء في مزدلفة، ولكن مع توحيد النظر أرجع عن هذا القول؛ لأن في حديث جابر نفسه قال: (ثم قام في الفجر، فصلى الفجر وذهب إلى المشعر الحرام فدعا)، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى سنة الفجر، وقد أجمع العلماء على أن سنة الفجر لم يكن يتركها النبي صلى الله عليه وسلم لا سفراً ولا حضراً، فنعامل سنة الفجر معاملة الوتر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك قيام الليل سفراً ولا حضراً، ولم يترك القنوت سفراً ولا حضراً، فالصحيح الراجح أن المستحب أن يوتر، وإن لم يوتر فلا شيء عليه.

بعد ذلك ينام حتى الفجر، ثم يقوم ويتوضأ ويصلي الفجر، ثم يذهب إلى المشعر الحرام، أما الضعفاء فإنهم يدفعون بعد غياب القمر، فإن وجد مثلاً رجل شديد وامرأته ضعيفة، فيغلب حكم الضعيف، كما في الحديث الثابت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء، لكن أمرهم ألا يرموا حتى تطلع الشمس) هذا خاص بالرجال، أما النساء فلهن أن يرمين قبل الفجر، والصحيح الراجح جواز الرمي قبل الفجر للكل بعد غياب القمر، أما الشديد الذي يريد أن يستن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي الفجر في مزدلفة، ثم يذهب إلى المشعر الحرام فيدعو الله كثيراً -وهذا أيضا موقف من مواقف استجابة الدعاء- حتى يسفر، أي: يختلط بياض النهار بسواد الليل، حتى يكون البياض هو الذي عم كل السماء، قبل أن يظهر قرص الشمس، ثم بعد الإسفار يدفع مباشرة إلى منى، ولا يلزمه أن يلتقط الحصى من مزدلفة، بل يجوز أن يأخذ الحصى من منى، ولكن إذا تيسر له بعد أن يدعو الله جل وعلا وهو يدفع إلى منى أن يلتقط الحصى فله ذلك، وإذا فعل ذلك فلا يلتقط عدداً كبيراً من الحصيات للأيام كلها، بل يلتقط سبع حصيات فقط، ومن زاد على ذلك فقد خالف السنة، وله أن يأخذ واحدة أو اثنتين احتياطاً إذا خشي أن تضيع منه بعض الحصيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>