للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مناسك الحج أيام التشريق]

من مناسك الحج: أن تبيت المرأة وجوباً في منى ثلاثة أيام أو يومين، ثلاثة أيام لمن أرادت أن تتأخر، ومن أرادت التعجيل فتبيت ليلتين: الليلة الأولى بمنى، فتبيت وتنتظر إلى زوال الشمس، يعني: قبيل الظهر بعشر دقائق أو بربع ساعة بالكثير، فتقف وقت الزوال ولا ترم حتى تزول الشمس عن كبد السماء، ثم ترمي الجمرة الأولى -وهي الصغرى- بسبع حصيات، تكبر مع كل حصاة، وتتأكد أن الحصاة قد نزلت في الحوض، ثم تتقدم قليلاً فتأخذ ناحية اليمين، وتجعل هذه الجمرة على يسارها، وتستقبل الكعبة وتدعو طويلاً.

وقد كان ابن عمر يطيل الدعاء جداً بعد رمي الجمرة الوسطى، ويرفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: هذه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، فهو قد رمى هذه الجمرة، ثم تقدم عنها وجعلها على يساره واستقبل القبلة ودعا طويلاً.

ثم تذهب إلى الجمرة الوسطى فتستقبلها أيضاً وترميها وتكبر مع كل حصاة، ثم تتقدم أيضاً قليلاً فتجعل الجمرة عن يمينها، -فالأولى كانت على اليسار، وهذه تكون على اليمين- وتستقبل الكعبة ثم تدعو طويلاً، ثم تذهب إلى الجمرة الكبرى، وترميها بسبع حصيات، ولا تستقبل الكعبة في هذه، ولا تقف ولا تدع، فليس ثم دعاء عند الجمرة الكبرى، وإنما الدعاء عند الجمرة الصغرى والوسطى.

ووقت الزوال هو وقت الرمي، ومن رمى قبل وقت الزوال فلا يجزئه ذلك، وهو باطل؛ لأن أول وقت الرمي وقت الزوال؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على التيسير على الأمة، وهو الذي رخص للنساء في الدفع من مزدلفة ليرمين جمرة العقبة، وهو نفسه الذي كان يرمي وقت الزوال، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً ليسر النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة، ورخص فيه؛ لأنه قال: (ما بعثت معسراً، إنما بعثت ميسراً) -وقال: (يسروا ولا تعسروا) -، فالتيسير من أصول هذا الدين السمح الحنيف، والنبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم أن الأيسر للأمة أن ترمي قبل الزوال لأذن به، فلما لم يأذن لأحد أن يرمي قبل الزوال، ولم يرم هو قبل الزوال، وهو القائل: (خذوا عني مناسككم)، دل ذلك على حرمة الرمي قبل الزوال، ومن يقول: إن للمرأة أن ترمي قبل الزوال، أو للرجال أن يرموا قبل الزوال فقوله ليس بصحيح، وهذا الرمي باطل وغير مجزئ، ومن فعل ذلك فحجه ناقص وعليه دم.

إذاً: أول وقت الرمي هو وقت الزوال، وآخر وقت الرمي هو قبيل الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلاً، وهذا فيه دلالة على أنها ترمي في الفجر، يعني: أنها ترمي ليلاً إلى الفجر.

فيمكن للمرأة أن تخرج مع محرمها بعد المغرب أو العشاء وترمي، فيكون الأمر أيسر عليها؛ لأنه لا يكون عند الجمرات في ذلك الوقت إلا النادر اليسير من الناس، وهذا أيسر لها وأفضل، ثم ترجع إلى منى فتبيت هذه الليلة بمنى، ثم في اليوم الثاني عشر والثالث عشر ترمي المرأة كما رمت في اليوم الأول، فترمي الجمرة الأولى وهي الصغرى، ثم تجعلها عن يسارها وتتقدم قليلاً، ثم تدعو طويلاً، كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، وكما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (خذوا عني مناسككم).

ثم ترمي الجمرة الوسطى أيضاً بسبع حصيات، ثم تتقدم أيضاً، وتجعلها عن يمينها، وتدعو طويلاً، ثم ترمي جمرة العقبة، فتستقبلها، وتجعل مكة عن يسارها، والمسجد عن يمينها، وترميها بسبع حصيات.

فإذا انتهت المرأة من الرمي وأرادت التعجيل تعجلت، وإن كان الأفضل لها أن تتأخر، امتثالاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعملاً بفعله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:٢٠٣].

وهي زيادة طاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يختار إلا الأفضل، إلا أن يشق على أمته.

فالله جل وعلا رخص في التعجيل، والنبي صلى الله عليه وسلم اختار الأفضل، فمن أراد أن يتعجل فلابد أن يرمي قبل غروب الشمس، ويرحل من منى، ولو جلس في منى حتى غربت الشمس، فقد وجب عليه المبيت والتأخير، وإذا جلس مختاراً في منى حتى سقط حاجب الشمس فقد وجب عليه التأخير.

فإذاً: ضابط الأمر: أنها ترمي بعد الزوال، وتبيت بمنى ثلاثة أيام أو ليلتين وجوباً، وإن تخلفت عن المبيت فإن عليها هدياً، إلا إذا كانت مريضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>