للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجمة حذيفة بن اليمان]

حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه هو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ائتمن حذيفة على أسماء المنافقين، وكان حذيفة يشتهر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب السر الذي يعلم أسماء المنافقين.

ولذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الراشد الورع التقي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لو سلك عمر فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجه)، قال عمر لـ حذيفة: بالله عليك يا حذيفة! أسماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يخشى على نفسه أن يكون قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين، فقال: لا والله! يا أمير المؤمنين! ولا أزكي أحداً بعدك.

وكان حذيفة من فقهه أن الصحابة كانوا يذهبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن الخير، وكان حذيفة يخالف سؤال هؤلاء الصحابة عن الخير فيسأل هو عن الشر، وكان يقول: كان الناس يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر مخافة أن أقع فيه، وأنشد بعضهم: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه أسلم قديماً لكنه لم يشهد بدراً؛ لأنه أبوه لما ذهبا إلى المدينة للنبي صلى الله عليه وسلم مرا بقريش فما أرادوا أن يتركوهما حتى قالا: ما ذهبنا إلا إلى المدينة، فقالوا: ذهبتما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما ذهبنا إلا إلى المدينة، فلما ذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصا عليه القصة قالا: لو أردت يا رسول الله! لقاتلنا معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نفي لهم)، أي: للمشركين، وهذه تبين عظم الوعد، وأن المؤمن من خصاله ومن شيمه أنه يفي بوعده حتى ولو كان للكفار.

وحذيفة بن اليمان بعد ذلك شهد أحداً وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان تقياً ورعاً عابداً ناقلاً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أمّره عمر بن الخطاب ذهب إلى إمارته على بغلته، وكانت الأموال تأتيه والغنائم، فبعدما رجع حذيفة أرسل إليه عمر فقال: ائتنا، وكان عمر يختبر الصحابة بهذا، فينظر في الصحابة هل غيرتهم الدنيا أم لا؟ ثم اختبأ عمر له، حتى ينظر في حاله، فجاء حذيفة على البغلة التي سار فيها إلى إمارته لم يتغير حاله بعدما تأمر على الناس، فذهب عمر فاحتضنه وقال: أنت أخي وأنا أخوك.

مات حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه بعد مقتل عثمان بأربعين يوماً.

وكفاه فخراً بأنه صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب ينظر في الجنازات فينظر هل صلى حذيفة على هذه الجنازة أم لا؟ فإن صلى حذيفة صلى عليها، وإن لم يصل حذيفة لم يصل عليها، فلو صلى عليها فهذا ليس من المنافقين فيصلي عليه، وإن لم يصل عليها حذيفة لم يصل عمر؛ لأنه يأتمر بأمر الله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:٨٤].