للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّيَالِي وَالأَيَّامَ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ الوَاحِدِ» (١) وَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ مَرَّةً بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَدَّثَهُ بِهِ: «خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى المَدِينَةِ» (٢) وَيَقُولُ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيِّ (*) قَالَ: «إِنْ كُنْتُ لأَرْكَبُ إِلَى المِصْرِ مِنَ الأَمْصَارِ فِي الحَدِيثِ الْوَاحِدِ لأَسْمَعَهُ» (٣).

ثَالِثاً - نقد الرُوَاة. وبيان حالهم من صدق أو كذب. وهذا باب عظيم وصل منه العلماء إلى تمييز الصحيح من المكذوب والقوي من الضعيف. وقد أبلوا فيه بلاء حسناً. واتبعوا الرُوَّاةَ ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم وما خفي من أمرهم وما ظهر. ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم عن تجريح الرُوَّاةَ والتشهير بهم ورع ولا حرج، قيل ليحيى بن سعيد القطان: «أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ الذِينَ تَرَكْتَ حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَكَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَقَالَ: «لأَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ خَصْمِي أَحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمِي رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكَذِبَ عَنْ حَدِيثِي؟».

وقد وضعوا لذلك قواعد ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن لا يؤخذ، ومن يُكتَبُ عنه ومن لا يُكتَبُ عنه.

ومن أهم أصناف المتروكين الذين لا يؤخذ حديثهم.

١ - الكَاذِبُونَ على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يؤخذ حديث من كذب على النَّبِيِّ، كما أجمعوا على أنه من أكبر الكبائر، واختلفوا في كفره: فقال به جماعة، وقال آخرون بوجوب قتله واختلفوا في توبته هل تقبل أم لا؟ فرأى أحمد بن حنبل وأبو بكر الحُمَيْدِي شيخ البخاري أنه لا تقبل توبته أَبَداً، واختار النووي القطع بصحة توبته وقبول كشهادته، وحاله كحال الكافر إذا أسلم. وذهب أبو المظفر السمعاني إلى أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من أحاديثه.


(١) " جامع بيان العلم ": ١/ ٩٤.
(٢) نفس المصدر: ١/ ٩٢.
(٣) المصدر السابق: ١/ ٩٥.