للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في دينه وأمانته وَوَرَعِهِ، والمستفيد منه على كل حال هم المُسْلِمُونَ الذين يغدو شيخهم ويروح من حلقات العلم إلى مجالس الخلفاء يروي حَدِيثًا، أو يبث فكرة، أو يُبَيِّنُ حُكْمًا، أو يؤدب لهم وَلَدًا أَوْ يُذَكِّرَهُمْ بما لِلأُمَّةِ عليهم من حقوق وما للهِ عليهم من واجبات.

جاء في " العقد الفريد " (١): «دخل الزُّهْرِيُّ على الوليد بن عبد الملك فقال له: " ما حديث يُحَدِّثُنَا به أهل الشام؟ " قال: " وما هو يا أمير المؤمنين؟ " قال: " يُحَدِّثُونَنَا أَنَّ اللهَ إِذَا اسْتَرْعَى عَبْدًا رَعِيَّتَهُ كَتَبَ لَهُ الحَسَنَاتِ وَلَمْ يَكْتُبَ لَهُ السَّيِّئَاتِ! ". قال الزُّهْرِي: " باطل يا أمير المؤمنين! أنبِيٌّ خليفة أكرم على الله؟ أو خليفة غير نبيّ؟ " قال: " بل نَبِيٌّ خليفة "، قال: " فإن الله تعالى يقول لِنَبِيِّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (٢) فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لِنَبِيٍّ خليفة فما ظنك بخليفة غير نبيّ؟ " قال الوليد: " إن الناس ليغووننا عن ديننا "» اهـ.

فانظر إلى مدى ما تنتجه هذه الصلة من فائدة لِلأُمَّةِ بين رجل كالزُّهْرِي وبين خليفة كالوليد؟ ثم انظر ترى موقف الزُّهْرِي موقف عالم يخضع لتأثير البيت المالك ولا يخرج عن هواهم، ويستجيب إلى رغباتهم في وضع الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أم هو موقف العالم الناصح ينصح لدين اللهِ والمُسْلِمِينَ وَيَذُبُّ عن سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكاذيب الوَضَّاعِينَ؟ ويدفع عن خليفة المُسْلِمِينَ وقوعه تحت تأثير الرُّوَاةِ الكَذَّابِينَ، فلا يستمر في ظلم ولا يتمادى في باطل!

وانظر بعد ذلك فيما رواه ابن عساكر بسنده إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - أن هشام بن عبد الملك سأل سليمان بن يسار عن تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٣) فقال هشام: «مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ فِيهِ؟» قال سليمان: «هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَِيٍّ بْنِ سَلُولٍ». فقال هشام: «كَذَبْتَ: إِنَّمَا هُوَ عَلِيٌّ بْنُ


(١) الجزء الأول: ص ٦٠ (الطبعة الجديدة).
(٢) [سورة ص، الآية: ٢٦].
(٣) [سورة النور، الآية: ١١].