للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَدِيثًا واحداً، وقد كان إبراهيم بن سعيد الجوهرِي يقول: «كُلُّ حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنْ مِائَةِ وَجْهٍ فَأَنَا فِيهَ يَتِيمٌ» (١).

وبهذا إذا جَمَعْتَ أقوال النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وتقريراته إلى أقوال الصحابة والتَّابِعِينَ وجمعت طرق كل حديث منسوب للنبي وللصحابة وللتابعين لاَ يُسْتَغْرَبُ أَبَدًا أن يبلغ ذلك كله مئات الألوف بهذا المعنى.

قال العلامة الشيخ طاهرِ الجزأئري: «وبما ذكرِنا أن بعض المُحَدِّثِينَ قد يطلق الحديث على المرفوع والموقوف يزول الإشكال الذي يعرِض لكثير من الناس عندما يحكى لهم أن فلاناً كان يحفظ سبعمائة ألف حديث صحيح، فإنهم مع استبعادهم ذلك يقولون: أين تلك الأحاديث ولِمَ لَمْ تصل إلينا؟ وهلا نقل الحفاظ ولو مقدار عشرها؟ وكيف ساغ لهم أن يهملوا أكثر ما ثبت عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -؟ مع أن ما أشتهروا به من فرط العناية بالحديث يقتضي أَلاَّ يترِكوا مع الإمكان شيئاً منه، ولنذكرِ له شيئاً مِمَّا رُوِيَ في قدر الحفاظ: نقل عن الامام أحمد أنه قال: " صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - قَدْ حَفِظَ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ ". قال البيهقي: " أَرَادَ مَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيثِ وَأَقْوَالِ الصَحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ "، وقال أبو بكر محمد بن عمرِ الرازي الحافظ: " كَانَ أَبَو زُرْعَةَ يَحْفَظُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً فِي التَفْسِيرِ. ونقل عن البخاري أنه قال: " أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَمِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ ونقل عن مسلم أنه قال: " صَنَّفْتُ هَذَا الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ مِنْ ثَلاَثِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَسْمُوعَةٍ "، وَمِمَّا يرفع استغرابك لما نقل عن أبي زرعة من أنه كان يحفظ مائة وأربعين ألف حديث في التفسير، أن النعيم في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (٢) وقد ذكرِ فيه المفسرون عشرة أقوال كان كل قول منها يُسَمَّى حَدِيثًا في عُرِِْف من جعله بالمعنى الأعم، والماعون في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (٣) قد ذكروا فيه ستة أقوال، كل قول منها ما عدا السادس، يعد حَدِيثًا كذلك» (٤).


(١) " تأنيب الخطيب " للكوثري: ص ١٥١.
(٢) [سورة التكاثر، الآية: ٨].
(٣) [سورة الماعون، الآيتان: ٦، ٧].
(٤) " توجيه النظر ": ص ٣ - ٤ وانظر: " فتح الملهم شرح صحيح مسلم ": الجزء الأول ص ٢.