للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان الطب الحديث لم يوفق في اكتشاف سائر خواص العجوة حتى الآن. أفليس من الخطأ، التسرع إلى الحُكْمِ بوضعه، وهل اِدَّعَى أحد أن الطب انتهى إلى غايته، أو أنه اكتشف كل خاصة لكل من المأكولات والمشروبات والنباتات والثمار التي في الدنيا؟ إنك لا تشك معي في أن إقدام مؤلف " فجر الإسلام " على القطع بتكذيب هذا الحديث جُرْأَةٌ بالغة منه لا يمكن أن تقبل في المحيط العلمي بأي حال: ما دام سنده صحيحاً بلا نزاع، وما دام متنه صحيحاً على وجه الإجمال، ولا يضره بعد ذلك أن الطب لم يكتشف حتى الآن بقية ما دل عليه من خواص العجوة، ويقيني أنه لو كان في الحجاز معاهد طبية راقية أو لو كان تمر العالية موجوداً عند الغَرْبِيِّينَ، لاستطاع التحليل الطبي الحديث أن يكتشف فيه خواص كثيرة: ولعله يستطيع أن يكتشف هذه الخاصة العجيبة، إن لم يكن اليوم ففي المستقبل إن شاء الله.

الحَدِيثُ الثَّالِثِ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ والْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ».

هذا الحديث رواه " الترمذي " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ورواه أحمد في "مسنده " عن سعيد بن زيد (١)، وقد قال فيه مؤلف " فجر الإسلام ": «فهل اتجهوا في نقد الحديث إلى امتحان الكمأة، وهل فيها ترياق؟ نعم إنهم رَوَوْا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَخَذْتُ ثَلاَثَةَ أَكْمُؤٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَصَرْتُهُنَّ [فَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ] فَكَحَلْتُ بِهِ جَارِيَةً (عَشْمَاءَ) لِي فَبَرَأَتْ»

ولكن هذا لا يكفي لصحة الحديث فتجربة جزئية لا تكفي منطقياً لإثبات الشيء في ثبت الأدوية، وإنما الطريق أن تُجَرِّبَ مِرَاراً، وخير من هذا أن تحلل لتعرف عناصرها، فإذا لم يكن التحليل في ذلك العصر مُمْكِناً فلتكن التجربة مع الاستقراء، فكان مثل هذا طريقاً لمعرفة صحة الحديث أو وضعه» (٢). اهـ.

وهنا أمران: الأول - أن الحديث صحيح ثابت في " الصَحِيحَيْنِ " وغيرهما، وسنده من ناحية النقد متين ليس في روايته مُتَّهَمٌ وَلاَ مَجْرُوحٌ: الثاني - أن أبا هريرة جَرَّبَ هذا الحديث فوجده صحيحاً، وجربه كثيرون من بعده فوجدوه


(١) " المسند ": ٣/ ١١١ الطبعة الحديثة بتحقيق العَلاَّمَةُ الشيخ أحمد محمد شاكر.
(٢) " ضحى الإسلام ": ٢/ ١٣١.