للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن موقف الشارح من تصحيح الحادثة، ونفي الإنكار والرد على عائشة، بل زاد على ذلك نسبة القول بالإنكار والرد إلى هذا الشارح نفسه، وقد سبق المؤلف مثل هذا في مواطن كثيرة، فهنيئاً له هذه الأمانة العلمية!

ثانياً - لو سلمنا ثبوت الإنكار عنها فليس معناه تكذيب أبي هريرة فيما روى، بل معناه أنها لا تعرف هذا الحكم، وإنما نعرف خلافه، فيكون من الاستدراكات التي استدركتها عائشة أم المؤمنين على كبار الصحابة كعمر وابنه عبد الله وأبي بكر وَعَلِيٌّ وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخُدري وغيرهم (١)، وما زال الصحابة يستدرك بعضهم على بعض لا يرون ذلك تكذيباً، بل تصحيحاً للعلم، وأداء للأمانة على ما يعرفها الصحابي، وقد قال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» (٢).

ثالثاً - أكثر الروايات لم تذكر رفع أبي هريرة الحديث إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل ذكرت أن ذلك كان فتوى منه، وقليلها هي التي جاء فيها الحديث مرفوعاً، وكذلك ورد في بعض الطرق أن أبا هريرة نسب ذلك إلى الفضل، وفي بعضها إلى أسامة بن زيد، وفي رواية، أخبرني فيه فلان وفلان، فَدَلَّ ذلك على أنه سمعه من الفضل وأسامة، لكن بعض الرُواة اقتصر على أسامة، وكثيراً ما يقع مثل هذا للرُواة.

رابعاً - قال العلامة ابن حجر: قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك، إما لرُجحان رواية أم المؤمنين في جواز ذلك صريحاً على رواية غيرهما، مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال، إذ يكمن أن يحمل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض، وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم، وإما لاعتقاده أن يكون خبر أم المؤمنين ناسخاً لخبر غيرها - وهذا ما عليه أكثر العلماء - وقد بقي على مقالة أبي هريرة


(١) وفي هذا ألف البدر الزركشي كتابه النفيس " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " في نحو / ٣٠٠ / صفحة، وهو مطبوع بدمشق بتحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني.
(٢) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.