للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقد كنا نفهم من رجل غني صاحب جاه ونفود أن يحتقر الفقراء ويزدريهم، وكنا نفهم من أعداء الأنبياء ومحاربي دعواتهم أن يقولوا لهم ما قال قوم نوح لنوح - عَلَيْهِ السَلاَمُ - {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} (١).

وكنا نفهم أن يكون الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر، يجعلون من نعيم الدنيا ومالها وثرواتها مقياساً للكرامة والاحترام.

وكنا نفهم أن تكون البيئات الأرستقراطية الرأسمالية هي التي تستعلي على الفقراء وتزدريهم وتمتهن أقدارهم.

لقد كنا نفهم كل هذا إلا من مثل «أَبِي رَيَّةَ» فبأية عقلية يتكلم عن فقر أبي هريرة وعدم وَجَاهَتِهِ أبعقلية الذين يُكَذِّبُونَ رُسُلُ اللهِ وأنبياءه؟ فإن كان هو مِمَّنْ يؤمن بالله ورسله وبما جاء في كتابه، فإن الله حكى عن نوح - عَلَيْهِ السَلاَمُ - أنه قال للذين ازدروا أتباعه المؤمنين الفقراء: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} (٢) ثم قال لَهُم: {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (٣).

ْوإن كان يتكلم بعقلية الأغنياء في وسط إسلامي، فإنه يعلم أن الإسلام أهدر جميع القيم المادية في التفاضل بين الناس، ولم يعترف إلا بقيمةٍ واحدةٍ هي قيمة التقوى حين قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٤).


(١) [سورة هود، الآية: ٢٧].
(٢) [سورة هود، الآية: ٢٩].
(٣) [سورة هود، الآية: ٣١].
(٤) [سورة الحجرات، الآية: ١٣].