للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن أبا هريرة كان يستقرئ الرجل الآية وهي معه فهذا نص ما جاء في " صحيح البخاري " وهو كلام يريد منه أبو هريرة غير ما يُفْهَمُ من ظاهره، فإنه يقول: «لأَسْتَقْرِي الرَّجُلَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ الْقِرَى فَيَظُنُّ أَنِّي أَطْلُبُ مِنْهُ الْقِرَاءَةَ»، كذلك فسر الحافظ ابن حجر كلام أبي هريرة ثم قال: «وَوَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي " الحِلْيَةِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ وَجَدَ عُمَرَ فَقَالَ: " أَقْرِينِي " فَظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فَأَخَذَ يُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُطْعِمْهُ قَالَ: " وَإِنَّمَا أَرَدْتُ مِنْهُ الطَّعَامَ "» (١).

وأما مدحه لجعفر بن أبي طالب، فذلك أنه كان إذا سأله القرى أو القراءة لا يجيبه حتى يذهب به إلى بيته، يقول أبو هريرة: «كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ (ظرف السمن) الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا» (رواه البخاري) ومن أجل ذلك يقول عنه أبو هريرة: «إِنَّهُ كَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ»، وهذا حق، فإن كرم جعفر وسخاءه وحبه للمساكين كان مشهوراً معلوماً للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته حتى كان النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكنِّيه بأبي المساكين (٢).

فهل يُلامُ أبو هريرة على مدحه لجعفر بعد أن كَنَّاهُ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي المساكين؟. وعلى هذا المعنى يحمل ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلاَ رَكِبَ المَطَايَا وَلاَ وَطِىءَ التُّرَابَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ». فإنه في صدد الذين يحبون الفقراء ويعطفون على المساكين، لا في صدد التفضيل بين صحابة رسول الله على الإطلاق حتى يدعي أَبُو رَيَّةَ أن أبا هريرة جعله أفضل من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة؟ ومتى كانت لأَبِي رَيَّةَ هذه الغيرة على صحابة رسول الله وهو الذي رماهم في كتابه بما رماهم به بعضهم بالغفلة، وبعضهم بالكذب، وبعضم بالممالاة على الباطل؟!.

ويؤيد ما قلناه من أن أبا هريرة لا يريد الإطلاق ما قاله الحافظ ابن حجر بعد


(١) " فتح الباري ": ٧/ ٦١.
(٢) " فتح الباري ": ٧/ ٦٢.