للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: «قُلْتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ تَصُومُ؟» قَالَ: «أَصُومُ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثَلاَثًا، فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ كَانَ لِي أَجْرُ شَهْرِي».

وَكَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ زِنْجِيَّةٌ قَدْ غَمَّتْهُمْ بِعَمَلِهَا، فَرَفَعَ عَلَيْهَا يَوْمًا [السَّوْطَ]، ثُمَّ قَالَ

: «لَوْلاَ القِصَاصُ يَوْمَ القِيَامَةِ لأَغْشَيْتُكِ بِهِ، وَلَكِنِّي سَأَبِيعُكِ مِمَّنْ يُوَفِّينِي ثَمَنَكِ أَحْوَجَ مَا أَكُونُ إِلَيْهِ، اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -».

وحسبك دليلاً على ما كان يتمتع به من صلاح وتقوى في نظر القوم أنه كان وابن عمر هما اللذان يُكبِّرَانِ في مِنَى أيام العيد فَيُكَبِّرُ الناس بتكبيرهما، وأنه كان هو الذي صلى على عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وفي رواية أنه صلى أيضاًً على أم سلمة أم المومنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -.

وَلِمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: «مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي، وَإِنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطٍ عَلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ، لاَ أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا يُؤْخَذُ بِي!».

أفترى هذه العبادة والصلاة والتسبيح والوعظ والبكاء وعتق الرقاب والخوف من الله وشدة مراقبته يتأتى ذلك كله من نفس تستبيح كبرى الكبائر في الإسلام وهي الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

خامساً - وكان مع هذا كله مُقِلاًّ من الدنيا يتصدق بما يصل إلى يده من مال.

قَالَ أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ: بَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ بَعَثَ إِلَيْهِ: إِنِّي غَلِطْتُ وَلَمْ أُرِدْكَ بِهَا، وَإِنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ غَيْرَكَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «قَدْ أَخْرَجْتُهَا، فَإِذَا خَرَجَ عَطَائِي فَخُذْهَا مِنْهُ». وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا. وَإِنَّمَا أَرَادَ مَرْوَانُ اخْتِبَارَهُ (١).

ودَعْكَ من قول أَبِي رَيَّةَ أنه كان له «قصر» بالعقيق، وقصر بكذا. فهذا من تحريفه الذي لا يخاف الله منه، وإنما الرواية في " ابن الأثير ": «وكانت وفاته في


(١) " البداية والنهاية ": ٨/ ١١٠ - ١١٤.